أحمد زكي.. لاعب البيضة والحجر

15 ابريل 2015
(1945 - 2005)
+ الخط -

في الذكرى السنويّة العاشرة لرحيل الممثّل المصري أحمد زكي (1945 - 2005)، وبنظرة عامة إلى مسيرته الفنيّة والسينمائيّة منها على وجه الخصوص، يمكن لمَن يتابع رحلة بطل "أرض الخوف" أن يستشفّ التغيّرات التي حلّت في المشهد السينمائيّ والمجتمع المصري، ضمن علاقة ثنائيّة الاتجاه لكلا الطرفين، على مدى يقارب الأربعة عقود من الإنتاج الفني.

كانت بداية مَن لُقّب بـ "فتى الشاشة الأسمر" محفوفة بعنصريّة واضحة تجاه لون بشرته، حتى أصبحت لاحقاً علامة مسجّلة لصاحبها. فلون بشرة زكي الداكن، في روايات كثيرة، كان سبب رفضه من قبل جهات إنتاجية لبطولة العديد من الأفلام، من أهمها "الكرنك" (1976) للمخرج علي بدرخان؛ إذ قام بالدور الذي طمح إليه زكي الممثل نور الشريف، الأمر الذي كاد أن يسبّب عقدة لهذا الشاب الموهوب القادم من مدينة الزقازيق إلى القاهرة. لكنه ما لبث أن وقف أمام عدسة بدرخان بعد هذه الحادثة بعامين فقط، وشارك سعاد حسني بطولة فيلم "شفيقة ومتولي" (1978)، إثر تمسّكها الشديد به.

كان للتغيّرات التي عاشها المجتمع المصري في عصر "الانفتاح" الساداتيّ، الإسقاط الملموس على نوعيّة السينما التي قدّمت في بداية الثمانينيات، ونشوء ما يعرف اليوم بالموجة الثانية للواقعية في السينما المصريّة.

ومن حسن حظّ بطل "الإمبراطور" أن لمعانه تزامن مع هذه الموجة التي تماهى فيها الجمهور مع أبطال من نمط جديد، ليست الوسامة الطاغية من مميّزاتهم، بل قدرتهم على محاكاة الواقع الاجتماعي آنذاك، والاقتراب من الهموم الحياتية للأشخاص العاديّين.

في تلك السنوات، قدّم زكي مع المخرج محمد خان "موعد على العشاء" (1982) في ما يشبه مجازاً مثيراً للسينما المصرية بعينها، إذ تتخلّى بطلة الفيلم سعاد حسني عن الوسيم والأبيض و"الواد التقيل" حسين فهمي، وتختار الأسمر والفقير أحمد زكي. كما كان بطلاً في أهمّ تجارب مرحلة الواقعية الثانية من خلال شريط "أحلام هند وكاميليا" (1988) لخان كذلك، الذي يرى فيه المُشاهد مصر أخرى اعتراها البؤس والفقر وقلّة الحيلة التي آلت بالناس إلى السرقة.

على الصعيد السياسي في سينما الثمانينيات، شارك زكي في الأعمال التي هاجمت نظام السادات، وأهمّها "البريء" (1984) لعاطف الطيب (قصّة وحيد حامد)، الذي تناول قضية قمع الحريات في مصر إثر ما عُرف بانتفاضة 17 و18 يناير 1977.

في هذا الفيلم، أدّى زكي أحد أهم أدواره في شخصية أحمد سبع الليل؛ شاب ريفي ساذج يُستدعى للتجنيد الإجباري، ويعيّن حارساً على أحد المعتقلات السياسية في الصحراء، ويُدرّب على الطاعة العمياء للأوامر. تتوالى الأحداث ويعتقل أحد أصدقائه من الريف ويلقى حتفه في السجن، ما يقود سبع الليل إلى عصيان الأوامر وفتح الرشاش على الضباط والجنود، وهي الخاتمة التي قصّتها الرقابة وأجازت عرضها بعد عشر سنوات.

ويأتي فيلم "زوجة رجل مهم" (1988)، لخان مرة أخرى، مكمّلاً لانتقاد الحقبة الساداتية وعلاقة السلطة بالفرد، وفيه أدّى زكي أكثر أدواره المركّبة نفسياً؛ وهي شخصية "هشام" العقيد في جهاز مباحث الدولة، ونكتشف الطبقات المتراكمة من مرض السلطة لديه، ابتداءً من علاقته مع زوجته منى (ميرفت أمين)، مروراً بعلاقته مع أقاربه وجيرانه وزملائه في العمل، في ظلّ الفساد السياسي الهائل الذي ألمّ بدوائر المباحث، واستعدادها لتلفيق التّهم للمواطنين. وحين يوقف هشام عن العمل يبدأ بالتعذيب النفسي والجسدي لزوجته إلى إن يطلق النار على والدها وعلى نفسه أمامها.

أما النقلة النقدية للمجتمع المباركي التسعيناتي، فقد بانت في عدة أعمال، منها ما لم يكن مباشراً وإنّما جاء كرصد لـ "الفهلوة" الجديدة، مثل فيلم المخرج علي عبد الخالق "البيضة والحجر" (1990)، ومنها ما كان مباشراً، مثل "ضد الحكومة" (1992) لعاطف الطيب.

ورغم ما تخلّل مسيرته في التسعينيات من أفلام خفيفة وليست ذات أهمية تُذكر، عدا عن أنّها جماهيرية، كشريطي "كابوريا" و"استاكوزا"، عاد زكي بنضوجه الفني والإنساني في أدوار حفرت في الوجدان المعاصر للشباب العربي، كدور المصوّر سيّد في "اضحك الصورة تطلع حلوة" لشريف عرفة، وشخصية السائق حسن في "سوّاق الهانم" للمخرج حسن إبراهيم، والشخصية ذات التركيب الثلاثي يحيى المنقباوي/ آدم/ يحيى أبو دبّورة في "أرض الخوف" لداوود عبد السيد.

وكثيراً ما جسّد بطل "الهروب" ببراعة السير الذاتية لشخصيات مثل طه حسين في مسلسل "الأيام"، وجمال عبد الناصر في "ناصر 56"، وأنور السادات في "أيام السادات". وكان آخر أعماله - الذي لم تساعده أحواله الصحية أن يؤديه - السيرة الذاتية لعبد الحليم حافظ في "حليم"، الفيلم الذي يرى فيه كثير من محبّيه خاتمة قدريّة وتداخلاً للسيرة التراجيدية لمبدعين نشآ في ظروف صعبة، وأصبحا أيقونتين ملهمتين، وتوفيا وهما في ذروة عطائهما.

دلالات
المساهمون