"المركز العربي" و"معرض جدة": قصة منع وأفكار

16 ديسمبر 2015
كاركاتير لـ مانا نيستاني، عن معرض طهران للكتاب (2015)
+ الخط -

مثل كل الأجنحة المشاركة في "معرض جدة الدولي للكتاب"، افتُتح جناح "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" مع الافتتاح الرسمي يوم الجمعة 11 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، إلا أنّ زوّار المعرض فوجئوا في صباح يوم السبت؛ أي ثاني أيامه، بقيام مسؤولين في إدارته بالدخول إلى جناح "المركز" والطلب من مندوبه المشرف عليه مغادرته، ومنعه من أن يكون داخله أو بالقرب منه.

بعد ذلك، وُضعت حواجز خشبية حول الجناح ليصبح عبارة عن مربع مسمط كأنه لم يكن، وهو ما أوضحته الصور التي تداولتها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.

"العربي الجديد" اتصلت بالمدير التنفيذي للمركز، الباحث محمد المصري، الذي صرّح بأن "إغلاق جناح "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في معرض جدة الدولي للكتاب كان مفاجئاً على جميع الأصعدة؛ سواء من حيث مسألة إغلاقه نفسها، أو طريقة الإغلاق أو عدم تقديم أسباب لهذا الإجراء، خصوصاً أنّ المركز استوفى جميع المتطلبات الإدارية والقانونية اللازمة للمشاركة في المعرض، بما في ذلك الالتزامات المالية كدفع رسوم المشاركة وحجز مساحة العرض، كما حصل في كل مرحلةٍ من المراحل على موافقات الجهات المشرفة على التنظيم".

يشير المصري إلى أن "القرار كان شفاهياً؛ إذ لم تُقدَّم أية رسالةٍ رسمية لمندوب المركز تفيد بقرار إغلاق الجناح وأسبابه، كما لم تجرِ مراسلة مقرّ المركز في بيروت لإبلاغنا بهذا القرار وحيثياته، ولم تُقدَّم أية تفسيرات؛ ما يوضّح أنّ القرار ليس له مسوّغات قانونية أو إدارية. باختصار، يمثّلُ إغلاق جناح المركز العربي في معرض الكتاب وطريقة إغلاقه صدمةً لنا ولجميع القائمين على نشر الكتاب الجادّ في المنطقة العربية".

ليست هذه هي الحادثة الأولى من هذا القبيل في معارض الكتب المقامة في السعودية؛ إذ تم إغلاق جناح "الشبكة العربية للأبحاث والنشر" في "معرض الرياض للكتاب" في آذار/ مارس 2014، كما أن المؤسسة نفسها تعرّضت إلى الإجراء نفسه في "معرض أبوظبي للكتاب" في أيار/ مايو 2014، من دون إبداء سببٍ يوضح هذه الإجراءات.

من المؤكّد أنّ قرارات شبيهة تسيء إلى سمعة المعارض العربية، لا سيما أن السبب الذي يقفز إلى الأذهان مباشرة هو الرقابة. هنا يؤكد المصري أن "هذا المبرّر غير مقبولٍ ويجافي الحقيقة؛ لأنّ المشاركين في معارض الكتب الدولية والمنظمين لها في السعودية وغيرها من البلدان العربية على علم بأنّ إدارات المعارض تقوم عادةً بإجراءات رقابية على الكتب التي تعرضها دور النشر قبل السماح لها بعرض كتبها في أجنحتها، وليس بعد افتتاح المعرض".

 يتابع: "وبالفعل، فقد قامت إدارة معرض جدة بإجراءاتها الرقابية المعتادة وأجازت جميع الكتب والعناوين التي كانت معروضة في جناح المركز العربي، ووضعت علاماتها "تم الفسح"؛ التي تعني مرور الكتب والصناديق على جهاز الرقابة. ولا يعني توضيح هذا الأمر الدفاع عن أنواع الرقابة التي تمارسها إدارات معارض الكتب في البلدان العربية، بل على العكس من ذلك تماماً، يتعيّن تحرير الكتاب العربي من سطوة وجهل أجهزة الرقابة".

من زاوية أخرى، يشير المصري إلى أنّ "الادّعاء بأنّ إغلاق جناح المركز جاء لأسبابٍ رقابية هو مبررٌ غير مقبولٍ أيضاً؛ فمنشورات المركز العربي وكتبه أكاديمية وعلمية محكمة تضاهي بمستواها ما تنشره أفضل مؤسسات البحث العالمية، وهي كتب ليس فيها إسفاف أو استخفاف بعقل القارئ العربي وذكائه، بل على العكس من ذلك، تساهم هذه الكتب في الارتقاء بالنقاش الموضوعي والعلمي البعيد عن التشنج والاصطفاف المؤدلج، والذي نحن بأشدّ الحاجة إليه في ظل الظروف التي تمر فيها منطقتنا العربية".

(محمد المصري)


ويضيف: "إنني أفهم هذا القرار في إطار تقييد حرية النشر والفكر في المنطقة العربية، فإذا كانت إدارة المعرض تريد من خلال هذا الإجراء عدم إتاحة كتب جادّة للقارئ العربي، فإنها بذلك تميّز ضد هذه الكتب الجادة والعميقة والعلمية لمصلحة كتبٍ قد تكون غير علمية وتخاطب الغرائز بدلاً من العقول".

بعيداً عن الأسباب المتعلقة بمواضيع الكتب ومحتوياتها، تظهر عملية إغلاق جناح "المركز العربي" لبعضهم على هيئة قرار مُسيّس. يردّ المصري على هذه الفكرة: "يبدو أنّ من يلجأ إلى مثل هذه التفسيرات، يتناسى أنّ المركز العربي للأبحاث ليس حزباً أو جبهةً سياسية، فهو مركز أبحاث أكاديمي يتّبع التقاليد الأكاديمية والعلمية التي تتبعها أرقى مراكز البحث في العالم. وبناء عليه، فالمركز العربي يقوم بإنجاز أبحاثه وعرض أوراقه في مؤتمراته، بشرط موافقتها للمعايير العلمية والأكاديمية، وليس على أساس ما تطرحه من مواقف سياسية".

ويتابع: "إنّ القول بموضوعية المركز العربي للأبحاث واتّباعه الأسس العلمية والأكاديمية لا يعني أنه مؤسسة بحث محايدة؛ فالمركز، كما تعبّر رسالته وأهدافه المنشورة على موقعه، لديه رسالة بحثية واضحة في عكس رؤيةٍ عربيةٍ من قضايا المنطقة والإقليم، تهدف إلى إثراء الوضع الفكري والاجتماعي والسياسي للمواطن العربي وتصب في مصلحته".

يشدّد المصري على أنه ينبغي فهم دور المركز، فهو مؤسسة "تعمل على تعزيز العلوم الاجتماعية والإنسانية في العالم العربي التي ترتقي بالإنسان العربي وتحقّق مصالحه، وتؤمِن بأنّ البحث لا بدّ أن يساهم في الحفاظ على أن تكون كرامة المواطن العربي وحقوقه مصونة ولها أولوية لتضاهي مثيلتها في أفضل دول العالم؛ فالإنسان العربي ليس أقل أهمية من الإنسان السويدي أو الدنماركي على سبيل المثال. ومن ثمّ، فالمركز لا يقبل أبحاثاً تساهم في الاعتداء على حقوق الإنسان العربي وامتهانه أو تلعب دوراً في الترويج للتمييز بين المواطنين في المنطقة على أسس دينية أو طبقية أو جندرية أو إثنية أو تبثّ روح الفرقة والعنصرية والفتنة في بلداننا العربية".



اقرأ أيضاً: خيرية قاسمية: سيدة التاريخ الشامي الحديث

المساهمون