طلال ديركي.. نظرة أخيرة على حمص

13 يوليو 2014
لقطة من فيلم "العودة إلى حمص"
+ الخط -

"المدينة التي مررتُ بها آلاف المرات في طريقي إلى دمشق دون أن أفكر مرة واحدة في أن أدخلها، المدينة التي أصبحت أغلى ما أملك، المدينة الأسطورة خلفي، ولا شيء بعد اليوم يعوِّض هذه الخسارة، لا قدرة لي على إطلاق الأحكام..هل كان ما فعلناه صواباً؟ ألقي نظرةً أخيرة على المكان.. قد لا أعبر مجدداً، وإن عبرتُ سيكون ذلك أشد وحشةٍ بدون أحبَّتي".

بهذا المونولوج لخَّص المخرج طلال ديركي معاناة بطل فيلمه "العودة إلى حمص" (89 دقيقة) الذي استضافته صالات العرض اللندنية مؤخّراً، وتوثق مادته الاحتجاجات في مدينة حمص الملقَّبة بعاصمة الثورة السورية، والتي تعد أكثر المدن السورية تضرراً من القصف والحصار على يد قوات النظام السوري.

يمهّد المخرج لمأساوية مشاهد القتل والتدمير في الفيلم؛ بأخرى تستعيد مثالية وحماسة الأيام الأولى للثورة السلمية، وتضعنا أمام صورة شخصية للبطل عبد الباسط الساروت، الذي تخلى عن نجاحه المهني كحارس مرمى في منتخب الشباب لكرة القدم، ليحشد للاحتجاجات الشعبية في مدينته مؤلفاً ومغنياً.

الكاريزما الواضحة لباسط ضاعفت من شعبيته كمقاوم ومغني للثورة، ووضعته على قائمة المطلوبين من قوات النظام، كما ساهمت في تورُّط المشاهدين ـ على اختلاف جنسياتهم ـ عاطفياً مع البطل خلال الأحداث.

يتواءم باسط مع تحولات الحراك الثوري فيتحول من الغناء السلمي إلى التدرُّب على السلاح، وينخرط في صفوف المقاتلين، ساكباً في قلوب المشاهدين ما يعتريه على الجبهة من فقد وإحباطٍ، ونحن نراقب رفاقه يسقطون واحداً تلو الآخر.

حوصرت حمص، وعَلِق باسط ورفاقه داخل بيوتها الخربة. المناطق المحررة باتت سجناً لهم، وكاميرا ديركي تلتهم الصمت والذهول في أعينهم، واليأس في بحة أصواتهم.

التعليق الصوتي الذي كتبه المخرج بشاعرية واضحة تواطأ مع درامية الأحداث الواقعية ليخلق حالة من الاتحاد بين المشاهدين في قاعة سينما "ليكسي"، حيث شاهدنا الفيلم، عزّزها الصوت المتصاعد لبكاء سيدة كانت تجلس في مقعدٍ خلفي.

أحد أكثر المشاهد تأثيراً، بالنسبة لنا، كان مشهد انهيار باسط إثر إصابة إحدى قدميه بطلقٍ ناري، وصراخه في وجه العذاب لرغبته في العودة إلى المدينة من أجل فتح طريقٍ لخروج المحاصَرين. أما الأكثر إيلاماً في الفيلم فهو تلك اللقطات الواقعية المأخوذة من قلب الصراع.

ينتهي الفيلم، كما بدأ، بالغناء. لكن هذه المرة من على ظهر شاحنة أقلَّت باسط ورفاقه لتحرير المحاصرين في حمص، فنعلم ببضعة كلمات على الشاشة أنهم نجحوا في العودة إليها، بينما يخبرنا منتج الفيلم عروة النيربية باستشهاد جميع رفاق باسط وانقطاع أخباره منذ كانون الأول/ ديسمبر الماضي.

الفيلم الذي تم تصويره على مدار سنتين كاملتين، واضطر مخرجه إلى تدريب المقاومين على التصوير بكاميرات يدوية لتوثيق مادته، حاز على أكثر من 15 جائزة دولية، أهمها "جائزة أفضل فيلم وثائقي" في "مهرجان ساندانس" للسينما المستقلة.

المساهمون