خليل فرح.. أغنية بطول وادي النيل

30 يونيو 2014
خليل أفندي فرح، الأول جالساً من اليمين
+ الخط -

يمثل خليل أفندي فرح (1894 – 1932) حالة حضور دائمة في المشهد الغنائي السوداني، فأغنية "عزة في هواك" التي نظمها ووضع لحنها في أواخر العشرينيات، هي الأغنية الأشهر في السودان حتى اليوم، وتكاد تكون النشيد الوطني غير الرسمي للسودانيين.

المغني والملحن والشاعر والرمز الوطني، الذي رحل في الثلاثين من حزيران/ يونيو عام 1932، بعد صراع مع المرض، شكّل تحولاً في الشعر الغنائي وألحانه، حيث رفع الرمز إلى مستويات لم يبلغها شاعر غنائي سوداني قبله، ووظفه في خدمة القضية الوطنية، بجعله من "عزة" زوجة علي عبد اللطيف قائد ثورة 1924، رمزاً وطنياً، تستعيده ذاكرة السودانيين حتى اليوم، والأمر ليس مستغرباً، فقد عرف عنه مناصرته للمرأة ودعوته إلى تعليمها وتحريرها، وهو موقف عبّر عنه في كثير من شعره.

ولد خليل فرح عام 1894 في "دبروسة" قرب "حلفا" بشمال السودان على أرجح الآراء، لأسرة ذات أصول تركية، وتلقّى دروسه الأولى في خلوة الشيخ أحمد هاشم بـ "جزيرة صاي"، ثم في مدينة "دنقلا"، قبل أن ينتقل إلى الخرطوم ليدرس في كلية "غوردون التذكارية" (جامعة الخرطوم الآن) بين عامي 1908-1912، ويعمل بعدها موظفاً بقسم الصيانة في "مصلحة البوسطة والتلغراف" من عام 1913 وحتى استقالته في عام 1929، عام إصابته بداء الرئة الذي حاول الاستشفاء منه في مصر، قبل أن يفضي إلى وفاته في "مستشفى النهر بالخرطوم"، ولمّا يبلغ الأربعين من عمره بعد.

ترك خليل فرح وراءه عدداً من الألحان والأغنيات المؤثرة في الغناء السوداني، والكثير من القصائد العربية والعامية التي جمع ما عُثر عليه منها في ديوان حققه وقدم له الكاتب والناقد علي المك ونشر عام 1977، عن "دار النشر بجامعة الخرطوم"، كما نشرته "دار البلد" بالخرطوم 1999.

برع خليل فرح في استخدام اللغة العربية الفصحى والعامية على الرغم من أنها لم تكن لغته الأم، بل تعلمها من المقررات الدراسية والتقطها من أسفاره التجارية برفقة والده عندما كان صبياً، ثم صقلها إبّان وجوده في الخرطوم باطلاعه على الأدب العربي وكتابات الأدباء المصريين، بل إن له إلقاء منغماً لقصيدة عمر بن أبي ربيعة "أعبدة ما ينسى مودتك القلب" سجله مع "عزة في هواك" بمصر في أواخر أيامه.

تأتي المساهمة الأبرز لخليل فرح، في عمله على محو الركاكة والضعف اللذين كان يتسم بهما شعر الغناء في السودان، كما يقول علي المك، فجعل الأغنية تنحو باتجاه التغنّي بالطبيعة، والتعبير عن قيم المجتمع وطموحه نحو التحرر، بنظم بسيط وعميق وعاطفة حارّة، الأمر الذي منح قصائده انتشاراً واسعاً، وجعل الشعراء بعده أكثر جرأة في التعبير.

كما أنّه طوَّر الموسيقى البدائية التي كانت سائدة في الخرطوم وأم درمان، ولم تتعدَّ في أكثرها الإيقاعات البسيطة، إلى استخدام آلة العود، وإعادة إنتاج وتطوير الألحان الشعبية، فأسس ما يعرف بـ "مدرسة الخرطوم" في الغناء، التي تنزع نحو الحداثة الموسيقية واللحنية، بعكس "مدرسة أم درمان" التقليدية. وتتجلى خصائصها بوضوح في أغنيته الأشهر "عزة في هواك" التي وضع لها مقدمة موسيقية مستوحاة من تراث غرب السودان.

ورغم أنه لم يكن يغني في بيوت الأفراح أو المناسبات، بل عند صفوة من أصدقائه وفي حدود ضيقة، إلا أنه "أحدث تحولاً جذرياً في حركتي الشعر والغناء ما زالت آثاره واضحة حتى اليوم من خلال قصائده "في الضواحي"، "الشرف الباذخ"، "ما هو عارف" وغيرها"، كما يوضح ذلك الباحث والمؤرخ ميرغني ديشاب في كتابه عنه، وهي القصائد التي كتبها ولحنها وأدّاها بنفسه، غير تلك التي كتب كلماتها ليغنيها آخرون.

في نضاله ضد الاستعمار الإنجليزي؛ كان خليل فرح من دعاة وحدة وادي النيل، متعلقاً بمصر، مثل كثير من المثقفين السودانيين وقتها، فانضم إلى "جمعية الاتحاد السوداني" التي تكونت عام 1921، وكانت تدعو إلى وحدة وادي النيل، وطرد المستعمر، ثم انضم إلى "جمعية اللواء الأبيض" التي تكونت عام 1924 وضمَّت الأعضاء الأكثر راديكالية في "جمعية الاتحاد السوداني"، وهي التي فجّرت ثورة 1924 التي كان خليل فرح وجهها الثقافي.

دلالات
المساهمون