"بلادي الفلفل الحلو".. فانتازيا المأساة الكردية

07 ابريل 2014
غلشيفته وكوركماز في لقطة من الفيلم
+ الخط -

في فيلمه الجديد "بلادي الفلفل الحلو" أو "بلادي ذات الفلفل الحلو"، لم يبتعد المُخرج العراقي الكردي هنير سليم عن المسألة الكردية، وطرح الأسئلة حول مكانٍ تحت الشمس للشعب الكردي. يطرح سليم أسئلته من موقع نقدي، حول استقلال الأكراد والعلاقات الاجتماعية والسياسية في إقليم كردستان المحكوم بقوانين عشائرية.

وهذا الموقف عبّر عنه المخرج بأسلوب ساخر، حاكى عبره أفلام الغرب الأميركي، ودور "الشريف" في تطبيق واحترام القانون في عالم جديد، لم يستكمل بناه التحتية بعد. هكذا نرى البطل الرئيس "باران" (يلعب الدور الكردي التركي المقيم في ألمانيا كوركماز أرسلان) يتجول على حصانه في الجبال معتمراً قبعة، تصاحبه موسيقا رعاة البقر. لكننا أحياناً نراه متأرجحاً بين الشريف الأميركي ودون كيشوت شرقي يقاتل سلطات فاسدة، تسيطر على قُرى الأطراف وعلى طرقات التهريب غير المشروع عبر الحدود، حيث يستلم الزعماء المحليون، مقابل النفط المُهرّب، أدوية فاسدة من الأتراك ليبيعوها إلى المرضى الفقراء من الأكراد.

يبدأ الفيلم (إنتاج كردي ألماني فرنسي) بلقطة درامية في ساحة عامة، حيث يقف كردي متهم بالسرقة، منتظراً حكم الإعدام شنقاً بحبل غسيل عادي، وسط غياب أدنى شروط عملية الإعدام. قد تكون دقائق هذا المشهد الأكثر تعبيراً في الفيلم، وقد تخللها نقاش عبثي بين رموز السلطة الجديدة حول قرار إعدام المتهم، وتساؤلات حول أي سلطة يريدون. سخرية سوداء ومأساة عبثية تعكسان مأزق السلطة الجديدة.

يرفض "باران" - وهو ثائر كردي- سلوكيات هذه السلطة، ويطلب مقابل عدم استقالته، نقله كضابط أمن إلى قمريان، قرية كردية نائية، تقع على الحدود التركية في جبال كردستان. وقد صوّر المخرج مشاهد فيلمه في تلك الجبال، عدا مشهد الإعدام الذي صُوِّر في أربيل.

في مكان آخر من كردستان، تجهد الشابة "غوفند" (تلعب الدور الكردية الإيرانية غُلشيفته فرحاني) في إقناع والدها بضرورة سفرها إلى قمريان المحرومة من معلمة للأطفال، وحيث يقوم ناطور مبنى المدرسة شبه الأمي بتعليم الأطفال.

يوافق الأب، الذي يمثل نموذجا للكردي الحر، على سفر ابنته الوحيدة، رغم احتجاج بعض أشقائها السبعة. هكذا تلتقي غوفند الحالمة بمستقبل وتعليم مشرقين لأطفال القرى النائية في كردستان، بـ"باران" الثائر الذي ناضل من أجل استقلال شعبه. ويمثل الاثنان مستقبل كردستان الذي يحلم به المخرج سليم، وعبّر عنه في أفلام سابقة وضعته على طريق العالمية.

إلّا أن الحالمَين الشّابَين اللّذين جمعتهما الصدفة، ثم الحب، يصطدمان بالسلطات المحلية الموروثة التي يمثلها "عزيز آغا"، زعيم المنطقة الجبلية، والذي يمارس القوة والابتزاز على الجميع، بمن فيهم قاضي المنطقة، ويحمي الفساد والتهريب عبر رجاله المسلحين. زعيم قادر على استغلال أي شيء، بما في ذلك الدين والقيم الاجتماعية، للتخلص من "باران" ومن "غوفند" التي كادت أن تُقتل على يد أحد أشقائها، بعد أن لفّق "عزيز آغا" الأكاذيب حول سلوكها الأخلاقي.

ترصد كاميرا صاحب فيلم "إن متَّ سأقتلك" (2010) و"الكيلومتر صفر" (2005) و"فودكا ليمون" (2003) الطبيعة في المنطقة الجبلية والنائية من كردستان العراقية. طبيعة ساحرة، لكنها تعكس قساوة علّمت أبناءها فن صراع البقاء. وقد يكون عنوان فيلم سليم الجديد، آتياً من هنا، من تناقضات الطبيعة التي انعكست على المجتمع وعلى الإنسان، إلا أنّ المخرج يقول إنه استلهم عنوان الفيلم من مطعم في بلدة جبلية، يحمل الاسم نفسه.

عُرض فيلم "بلادي الفلفل الحلو" في شهر آذار/ مارس في باريس، في مهرجان "مواسم" للأفلام العربية. وكان قد عُرض ضمن "نظرة ما" بمهرجان "كان" عام 2013، وهي المشاركة الثانية للمخرج في هذا المهرجان بعد فيلمه "الكيلومتر صفر" (2005).

دلالات
المساهمون