تبرئة مبارك.. سيناريو جاهز

06 ديسمبر 2014
غرافيتي لشخصيتي "الزيناتي" و"نوفل" في "طيور الظلام"/ القاهرة
+ الخط -
ما زالت الأحداث السياسية الملتهبة في مصر، منذ ثورة 25 يناير حتى يومنا هذا، تلقي بظلالها على الأعمال السينمائية التي أنتجت في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وتحديداً في العقدين الأخيرين من فترة حكمه، وتكسب حبكاتها مقاصد ومعاني جديدة، لتماسّها مع الواقع المصري الحالي الذي استشرفته.

فلو اعتبرنا شريط "هي فوضى" ليوسف شاهين وخالد يوسف تنبّؤاً بثورة يناير، فقد كنّا حتى أيام من صدور الحكم ببراءة المخلوع، نعتقد أن شريط "طيور الظلام" لمؤلّفه وحيد حامد، قد سطّر نهايته ببقاء فتحي نوفل (عادل إمام)، من "الحزب الوطنيّ الحاكم"، وعلي الزيناتي (رياض الخولي)، من "جماعة الإخوان المسلمين"، داخل السجن؛ وذلك بعد جريهما لاهثين وراء كرة قدم سُدّدت في اللقطة الأخيرة من الفيلم باتجاه المُشاهد، كأنما تهشّم مصر خارج أسوار المعتقل.

لكنّ القضاء المصري أقرّ بغير ذلك، وكتب بنفسه ولنفسه نهاية "سعيدة" لسيناريو خرج بختم النظام الحالي، يطلّ منه مبارك مدلياً بوقاحة قد لا تنتهجها شخصية فتحي نوفل: "ما شعرتش إني عملت حاجة!".

لا تقف النهايات المأساوية عند هذا الحدّ، بل تتفاقم عندما يكون الصنّاع والمشاركون الأساسيون في الأعمال التي انتقدت نظام مبارك داعمين للسيسي، ملوّحين ببعبع الإرهاب في المهرجانات السينمائية، كما حصل في الدورة الأخيرة من "مهرجان القاهرة السينمائي"، غافلين تماماً ما تقوم به أجهزة الأمن من اعتقالات لطلاب الجامعات والمعارضين على أنواعهم. وكان الأجدر من باب الوفاء للسينما المصرية أن يعرض شريط من قبيل "الكرنك" يذكّر بزوّار الفجر والانتهاكات بحقّ الخصوم السياسيين في العهد الناصري بدلاً عن مدح السيسي نظاماً وشخصاً في كلّ فرصة سانحة.

هذا الأمر يؤكّد غياب أيّ اتّساق فكري لدى مثقّفين وفنّانين، حسبناهم مناصرين لقضايا الحريّة والعدالة الاجتماعية، أو على الأقل هكذا ادّعوا بأقلامهم وفي أفلامهم، لكن تبيّن لاحقاً أنهم لم يكونوا سوى الجزرة التي لوّح بها نظام المخلوع لتنفيس غضب القطاعات العريضة من الشعب. وعندما يعارض بعض الفنانين النظام في تصريحاتهم، كما فعل الممثّل خالد أبو النجا، يبدأ سيل الاتهامات والتخوينات.

إلا أن الأمر المفاجئ بالفعل، هو تصريح الكاتب والسيناريست وحيد حامد الأخير. فقد نصح السيسي بالتخلي عن الحكم إن كانت التركة ثقيلة، منضمّاً بذلك إلى المخرج خالد يوسف الذي صرّح أن نسبة الرضا العام في الشارع المصري ليست كما يصوّرها الإعلام.

ويأتي هذان التصريحان بعد مشاركتهما، مع آخرين، في التطبيل لنظام 30 يونيو وللسيسي في حملته الانتخابية، التي خلت من أي طرح أو مشروع وطني ماثل للعيان غير العداء للإخوان المسلمين. لقد أثبتوا أن معاداتهم للإخوان، أهم من نصرتهم لقيم الديمقراطية، وأهم من أن يكونوا أمينين لما طرحته أعمالهم الفنية.

جملة جاءت على لسان شخصية فتحي نوفل في "طيور الظلام"، تبدو أنها العبرة التي استخلصها النظام القضائي المصري في مراجعته للشريط السينمائي عند نطقه بحكم البراءة على المخلوع. إذ تقول الشخصية بتركيبتها الثلاثية الهجينة، فتحي نوفل/ عادل إمام/ حسني مبارك: "القانون زي ما بيخدم الحق بيخدم الباطل.. واحنا ناس الباطل بتاعنا لازم يكون قانوني".

المساهمون