ننظر إلى الشعر العربي بعد خمسين سنة من رحيل بدر شاكر السياب، وننتبه إلى الآفاق التي وصلها. من البديهي أننا لم نكن لنصلها بدون تجربة هذا الجيل والمغامرة التي خاضها في تجديد الشعر العربي. محاولات أكثرها تعثرات، هذا صحيح؛ لكن ما كان بالإمكان بدونها أن نصل حيث وصلنا.
لم يكن تجديد الشكل (المسألة العروضية) أهم ما في هذه المغامرة؛ الأهم كان تركيب لغة شعرية جديدة وتذويت مساحة كبيرة من الحراك الشعري في العالم. في القانون الشعري، لا تستطيع اللغة الشعرية تجديد نفسها إلا بوسيط من داخلها.
بهذا المعنى، ما كان بإمكان إليوت، مثلاً، أن يكون معلّماً في الشعر العربي. السياب، على تعثراته، استطاع. وهو بالفعل أحد معلّمينا، نتعلّم من إنجازه ونتعلّم من عثراته. ولا ننسى بالطبع أن السياب، بمعنى ما، شاعر شاب لم يكمل النصف الثاني من ثلاثينيات حياته.
زميل صاخب، و"عراقي نموذجي" بكثير من العفوية والموهبة وبحصة الأسد من الألم. نضارة اللغة الشعرية العراقية تتجلّى في السياب. نضارة خاصة في الشعر العربي. انفتاح الديني على الأسطوري على الحسّي على أقدم أشواق الإنسان.
شظايا حريرية من قصائد السياب تتساقط في البال: "أواه/ مدّ يديك/ يبني القلبُ عالمه الجديد/ بهما"... "يبني ولو لهنيهةٍ دنياه"... "يا طالما بهما حلمتُ كزهرتين على غدير/ تتفتحان على متاهة عزلتي".