يين شوجين: جلد ثانٍ لا يمكن التخلّص منه

21 اغسطس 2021
(من المعرض)
+ الخط -

تجمع الفنانة الصينية يين شوجين (1963) المنسوجات والتذكارات القديمة في العديد من أعمالها التركيبية التي تعكس حنينها إلى زمن اندثر في بلادها، مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة فيها منذ التسعينيات، حيث سادت النزعة الاستهلاكية وبات نمط الحياة معولماً.

في عام 1995، عرضت صندوقاً خشبياً احتوى كومة ملابس مطوية بعناية ارتدتها خلال ثلاثين سنة ماضية، وقامت بخياطتها لتشكّل معاً قطعة واحدة تظهر في سلسلة صور تعكس تجاربها وآثار الزمن، قبل أن تغلق الصندوق بالإسمنت، لتقدّم بعد ذلك أعمالاً تمزج بين ماضيها الشخصي وذاكرة مجتمعها.

حتى نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، يتواصل معرض شوجين في غاليري "تيت مودرن" بلندن تحت عنوان "شبكات وسائط الإعلام" الذي افتتح في أيار/ مايو الماضي، وتستكشف خلاله علاقات السلطة والهوية في سلسلة من المنحوتات المعلّقة.

تعكس أعمالها حنيناً إلى زمنٍ اندثر بفعل التحولات الاقتصادية

تحاكي الفنانة في مجموعة من الصواريخ التي صنعتها من نسيج ملابس مستعملة وأضافت إليها سكاكين الفواكه، برجَ الإذاعة والتلفزيون المركزي في بكين، في إشارة إلى هيمنة البرج على المدينة والدور الذي تقوم به وسائل الإعلام في الضبط والتحكّم على حركة الأفراد والمجتمعات، حيث تمثّل الثقافة والاقتصاد قوّة ناعمة تمارس الدولة الصينية سيطرتها عبرها في الداخل والخارج.

يعود اهتمام شوجين بالمنسوجات إلى طفولتها حيث كانت والدتها تعمل في مصنع للملابس في مرحلة كانت غالبية الصينيين، وهي واحدة منهم، يبتاعون ثياباً مستعملة بسبب سوء الأحوال الاقتصادية، ما جعلها تفكر دائماً بأناس لا تعرفهم كانوا يرتدونها، فبدأت رحلة بحثها في إعادة استخدام الأقمشة القديمة، التي لم تعد تنظر إليها كسلعة يمكن التخلّص منها لما تحمله من آثار حيوات أصحابها وروائحهم وذكرياتهم.

كما باتت تعتقد أن اللباس يعدّ جلداً آخر ربما يكتسب أهمية أكبر من الجلد الحقيقي بفعل عوامل تتعلّق بتأثيرات العولمة، وما تفرضه الموضة من إرهاب يملي على الناس اللحاق بها كما أن كثيراً ممن يلبسونه ليس من اختيارهم، إنما تحدّده الأسواق العالمية. ومن جهة أخرى، فإن الملبس يرتبط بموقع الفرد في طبقته الاجتماعية والبيئة التي يتحرّك خلالها.

تتشارك شوجين هذه الأفكار مع زوجها الفنان سونغ دونغ، حيث تركّز أعمالهما على المباني التقليدية التي اختفت في بكين وعدد من المدن الصينية بفعل التوسّع العمراني، وكذلك تراجع مكانة العديد من الأدوات والأواني والأنسجة في الحياة اليومية بعد آلاف السنين من استخدامها، لتغدو جزءاً من الذاكرة الجماعية يتعامل معه كثيرون باعتباره مجرّد فولكلور بعد أن فقد وظيفته وتفاعل الناس معه.

ويتتبّع الزوجان المتغيّرات التي عاشتها الصين خلال العقود الثلاثة الماضية، وما خلّفته من تناقضات لا تزال حاضرة عبر مفاهيم مثل العزلة والانفتاح والدكتاتورية والديمقراطية والمثالية والواقعية، لذلك تركّز شوجين كما في معرضها الحالي على ذلك التنوع الهائل في ألوان الملابس التي تستعملها في "حياكة" ذاكرتها؛ التعبير الذي تفضّله للحديث عن نوع الفن الذي تقدّمه.

المساهمون