خلال الأعوام القليلة الماضية، بدت اختيارات المنظّمين لشخصية العام في "معرض القاهرة الدولي للكتاب" استجابةً لتوجّهات السلطة إلى استعادة لشخصيات وأحداث تاريخية في محاولة لاستذكار "زمن جميل" وتجاهل اللحظة الراهنة بما فيها من تراجع وانتكاسات، كما حدث مثلاً في اختيار ثروت عكاشة عام 2020.
تمثّل هذه الاستعادات سعي السلطة لإظهار اهتمامها بالثقافة والمثقفين بينما يشير تقرير "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، الذي أصدرته حديثاً، إلى قيام السلطة نفسها بغلق وهدم خمسين مكتبة ومسرحاً ومبادرة ثقافية خلال سبعة سنوات؛ أي في الفترة من 2014 حتى 2020.
منذ أيام، أعلنت اللجنة الثقافية العليا للمعرض في دورته الثانية والخمسين التي تنطلق فعالياتها في الثلاثين من حزيران/ يونيو المقبل وتتواصل حتى الخامس من تموز/ يوليو 2021، اختيار الكاتب المصري يحيى حقي (1905 – 1992) شخصية هذا العام.
وأوضح هيثم الحاج علي، رئيس "الهيئة المصرية العامة للكتاب"؛ الجهة المنظّمة، أن شخصية المعرض لا بدّ أن تكون شخصية جماهيرية، بمعنى أن لا تكون معرفتها قاصرة على النخبة والمثقفين فقط، كما أنه لا بد أن تكون متعدد المجالات.
لا تتعدى الاستعادةُ ندوة يغلب الموظفون الرسميون في وزارة الثقافة ومؤسساتها على المشاركين فيها
لا تتناسب هذه الكليشيهات الجاهزة مع الفعالية التي تقام خلال المعرض استذكاراً لشخصية العام، والتي لا تتعدى ندوة يغلب الموظفون الرسميون في وزارة الثقافة ومؤسساتها على المشاركين فيها، ولا تحظى الشخصية سوى بمجاملات وأحاديث عامّة ويتم قصداً إخفاء أي تصادم لها مع السلطات المتعاقبة على حكم مصر.
كما يتمّ الحديث عن إبداع هذه الشخصيات وآرائها بمعزل عن أي اشتباك مع الحياة والمجتمع، وربما يجدر هنا استحضار رواية "قنديل أم هاشم" لحقي، والتي تعتبر من أبرز الأعمال الروائية العربية خلال القرن الماضي، وربما يستحق بطلها إسماعيل الإضاءة على شخصيته والذي انقطع عن الواقع وأصبح معزولاً من المجتمع، ثم انقلبت الصورة عندما اقترب من الناس وهمومهم وبات مؤمناً أن التغيير لا بأتي بالعنف والإجبار، خلافاً لما تحاول فرضه السلطات إكراهاً وقسراً.
وفي عمل آخر له بعنوان "صح النوم"، يروي أحداثاً تقع في قرية منسية نائية ولا صلة تربطها بالمدنية والتحديث، حتى مرّت منها سكّة الحديد قسّمت الأرض والناس بين فريق مؤيد لها وفريق يرى فيها الخطر الذي يحدق بهم، فتتغير قيم الحياة جميعها ويتدافع الجميع وراء إغراءات السلطة التي يبدؤون بالنفاق لممثلها وهو رئيس البلدية الذي تمتزج شخصيته بين النبل والوطنية والقسوة والغلظة والحزم، لكنه في النهاية يسكت عن الظلم والفساد والنفاق له ليل نهار، في استعارة رمزية لفكرة سيطرة الجيش على الحكم وما تسبّب به من تدهور في الحياة السياسية والاجتماعية والأخلاقية أيضاً.
كان همّ حقي الأساسي أن يتخلّص المواطن المصري، والعربي، من الأميّة والجهل، وأن ينعم بديمقراطية تؤمّن له الكرامة والحرية والعدالة، وربما كانت الأميّة السياسية خصمه الأول التي انتقدها في العديد من أعماله، حيث القادة والزعماء والمسؤولون لا يحكمهم الوعي عندما يمتلكون السلطة، إنما ينجرفون وراء غرائزهم وتمسّكهم بالحكم مهما كلّف الثمن.