يا عليّ

06 سبتمبر 2024
"الصحراء"، عارف الريس، زيت على قماش، 1988
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- النص يعبر عن حزن عميق ومتجذر في الذكريات العائلية، حيث يتحدث عن فقدان الأحباء وتأثير ذلك على الروح.
- الشاعر يستعرض مشاهد من الماضي والحاضر، مشيراً إلى الحروب والدمار الذي لحق بالبيت والعائلة، وكيف أن الذكريات تظل عالقة في الذهن.
- النص يعكس مشاعر الفقدان واليأس، مع تلميحات إلى الأمل والتجديد، لكنه يظل محاطاً بالحزن والأسى الذي لا ينتهي.

هذا الحزنُ قديمٌ
قدومي مرَّ به أيضاً
خَلَفَ أربعَ جنازاتٍ
في جذعِ العائلةِ
هذا اللّحنُ أمقتُه
يحرّكُه ذهابُك الآن
ذهبَت العريشةُ قبلك
وشجرةُ الزنزلختِ العظيمة
وأشعارُ التأبين المرصّعة 
"منْ ينسى، منْ ينسى"
الأسفُ شمسٌ تعوزُها البِحارُ
هذا التمني، هذا الغمامُ هناك
لطالما لم يُصرفْ  
تحت المزرابِ الكبيرِ 
يُفرِغُ دموعَ السطحِ
حيثُ انتظرنا عودةً أخرى في الحربِ السابقة
قُلنا لا بدَّ أن تكون هذه خاتمة
ولكن لطالما بقيَ لوناً فوقَ هذه الهضاب
على التخومِ 
عربةُ خشبٍ ودواليب رصاص
اختراعُ السّعادةِ 
في المنحدرِ
صريراً
إلى التمثيليّةِ الكبيرة
على البيادِرِ
تحتَ السروِ وفوقَ الترابِ
وأنت ذهبتَ معهم 
تركتَ البيتَ دون لونٍ أو ورقةٍ
ذهبتَ رأساً إلى التراجيديا 
لتُوقفَ لعنةَ الجغرافيا 
سنتدجّج، هم مدجّجون
إشارةُ سيرٍ مفتوحة
في جميعِ الاتجاهاتِ
سؤالٌ 
تخلّى عن علامةِ الاستفهامِ 
استبدلَها بلحظةِ ذهابٍ
ليصنعَ برهةً 
في ساعةِ انتقالٍ هربَتْ منها عقاربها
عالمي صغيرٌ
لا يتّسعُ لاستدارةٍ كاملةٍ
لا يتّسعُ لصراخٍ 
لا يحتملُ عويلاً 
لا يحتملُ ذكرى أُخرى
ثغاءٌ يكفي 
لتقفَ المدافنُ القديمةُ مجدداً
أمامي
باب قلعةٍ لهذا العُصاب
في ألبومِ صورٍ يتغمّدُهُ البال 
هذه المُغادراتُ أعرفُها جيداً 
لن أسألَ نحنُ أبناءُ منْ 
فوق بقايا هذا الجسر
وتحت البيت الذي
دمّرَتهُ الطائرات
مرّة ومرّتينِ وأكثر
كأسٌ مسروقةٌ من اليوم التالي 
أُطلُّ بها على ما مضى 
وعلى ما سيأتي 
في الوجوهِ 
من حديقةٍ خلفيّةٍ بعيدةٍ
تحت بابِ المؤشِّرِ
حيث يخرجُ السؤالُ  
مسيَّجاً ببوليصةِ تأمينٍ
غيبٌ من نوعٍ آخر
استثمارٌ من نوعٍ آخر
وأسمعُ، أسمعُ كلاماً وبكاءً 
قابَ قوسين أو أكثر
رمية حجرِ صوّان
على ماضٍ متوحّشٍ آخرَ
حفرَ براثنَه 
قرب السهولِ هناك
حيث يُصبحُ المجازُ
رماداً للخوفِ 
نَجعلُ منه عُذراً 
ويجعَلُ من تشكُّلنا احتباساً 
في فوارغ الوقت
معلقاً في ماء المخاض
الخبرُ في رسالةٍ نصيّة
حيث الولادةُ 
ذهابٌ، ذهابٌ
الوقتُ اتصالٌ معطَّل
والراياتُ والمراثي جاهزاتٌ 
فوق حفّةٍ رطبةٍ
شبّاكٌ يتغاوى أمام الشمسِ 
ينقلُ رسائل من أسطورةٍ
إلى أُخرى
يقول سنحمي سفح الزمن 
سنلوّن مجراه
حيث تصيرُ المُخَيّلَةُ طقساً جامحاً  
أقفلوا الشارع لكَ واحتفلوا  
تحلّقوا حولك بأجسادِهم
كانت المناديلُ من لونٍ واحِدٍ
وصوتٍ واحدٍ 
وطائرُ السنونو 
يخطُّ تعرجاتِه
فوق خرائطَ لم تكتملْ  
أحدهم لم يُحكِم السياجَ
ليصنعَ مرصوفةً من الأناشيدِ 
فوق قرى تتغاوى كمدنٍ
تزفُرُ دمْعاً
ومُدُنٍ صارت سوقاً سوداءَ
تسألُ عن الحُب
كنزٌ مشاعٌ تُركَ ينزفُ
ونحن نُصدّقُ هذا السرَّ
نرقصُ حولَهُ
بسذاجةٍ دائمةِ الطزاجةِ
نؤكّدُ وجودَهُ
لأننا نريده أنْ يصدُقَ
في عيونٍ براها التعبُ 
أرسلتُ لها سلاماً
وقُبلاً مبحوحةً 
الاتصالُ ملحٌ
تغريرٌ بالأملِ ليخرُجَ
ومقامرةٌ عليهِ
"بصمت، بصمت"
سيقتلُنا حزنُنا. 


* شاعر ومترجم من لبنان

المساهمون