"ولد من الجنة".. ساعتان عن صراع الدين والسلطة

20 ابريل 2023
من الفيلم
+ الخط -

في نسخةٍ إسلاميّةٍ من فيلم "اسم الوردة" (1986)، لمخرجه جان جاك أنود؛ والذي استند بالأصل إلى رواية لأمبرتو إيكو تحمل العنوان نفسه، تروي أحداث فيلم "ولد من الجنة" (بعرض الآن في الصالات الإسبانية بعنوان "مؤامرة في القاهرة") قصة آدم (يلعب دوره الممثل الفلسطيني توفيق برهوم)، وهو ابنُ صيّاد سمك متواضع، دخلَ "الأزهر"؛ تلك الجامعة الأسطورية والمرموقة للدراسات الإسلامية في القاهرة، بعدَ حصوله على منحة دراسية. 

في اليوم الأول الذي تبدأ فيه الدروس الدينية، يموتُ شيخ الأزهر بنوبةٍ قلبية. هكذا يتوجّب على مجلسِ الأزهر اختيار إمام جديدٍ له. هنا تدخل على أحداث الفيلم شخصيةٌ جديدةٌ وغامضة هي العقيد إبراهيم (يلعب دوره الممثل السويدي اللبناني فارس فارس)، من أمن الدولة، والذي يسعى للتأثير على الانتخابات في لحظةٍ حسّاسة، حيث تتصادم في ما بينها الفصائل الأكثر تشدّداً وتحرّراً واعتدالاً دينياً من أجل الوصول إلى السلطة. هنا يجد آدم نفسه منغمساً في حرارة صراع لا هَوادة فيه على السُّلطة، بين التيارات الدينية والقوى الأمنية في البلاد.

هذه هي حبكة فيلم "ولد من الجنة" (2022)، للمخرج السويدي من أصل مصري طارق صالح (1972)، والذي حصد جائزة أفضل سيناريو في "مهرجان كان السينمائي" العام الماضي. تدور أحداث الفيلم من القاهرة، مع أنّ المخرج لم يتمكّن من تصويره هناك، لأنّه قبل ثلاثة أيام من بدء التصوير، أمرت الأجهزة الأمنية صالح وفريقه بمغادرة مصر، ومنذ ذلك الحين كان المخرج على قائمة الأشخاص غير المرغوب بهم في البلاد. هكذا وجد نفسه مضطراً إلى تصوير مشاهد فيلمه في مدينة تُشبه القاهرة من حيث روحيّة المعالم الدينية، فوقع الخيار على تركيا ومع فريق من الممثلين العرب يندر بينهم المصريين.

محاولة للعثور على هوية مصر بعد ثورات الربيع العربي

يعكس الفيلم العلاقة الشائكة بين السلطة والمؤسسة الدينية، وكيف تؤثّر هذه العلاقة على القضايا، التي غالباً ما تُحصّن بعباءة الدين. كما ينتقد العمل، بشكل واضحٍ، رجال الدين والسياسيين الذين يستغلّون الإسلام من أجل مصالحهم الخاصّة. كذلك يصوّر الخلاف الدّائر بين الطّلاب الذين ينظرون إلى الحياة بطريقتين مختلفتين: بعضهم يستمع إلى موسيقى الميتال ويدخّنون ويذهبون إلى الحفلات والنوادي الليلية، في حين أن بعضهم الآخر يرى الموسيقى محظورة و"محرّمة" شرعاً. 

"في الوقت الحالي، وفي مصر تحديداً، يخاطبُ الدين قلوبَ النّاس، ولطالما حاول رجالُ السلطة السيطرة على ذلك، من أجل توجيه الجمهور"، يوضّح مخرج الشريط. 

الفيلم الذي صُنِّف على أنّه إثارة بوليسية، يستعيدُ، بشكلٍ أو بآخر، التناقضات التي تشهدُها مصر، والتي لطالما عاشت صراعاً متوتراً بين الحداثة والتقاليد الأكثر تشدّداً. في هذا الإطار يحاول المخرج العثور على هوية مصر الجديدة، لا سيّما بعد ثورات الربيع العربي التي أنهت دكتاتورية حسني مبارك، والتي دامت لأكثر من ثلاثين عاماً، وأفسحت المجال لعهد من الانقلابات والاضطرابات.

بشكلٍ عام، يرسم "ولد من الجنة"، والذي كتبَ نصّه صالح نفسه، صورةً غير لطيفة عن السلطات المصرية الدينية والأمنية، لكنّه مع ذلك، يَحرصُ بشكلٍ بارز على توضيح أنّ الدين نفسه غير مُذنِب، لأن هذه الانتهاكات التي ترتكبها شخصيات العمل باسمه مرتبطة بطموحات سياسية وشخصية. ومهما يكن من أمر، لا يُقدَّم الخطاب الديني في الفيلم إلا كخلفية لما هو في الواقع "إثارة" عامّة لبطل نموذجي وبسيط: الشاب الساذج والمرن الذي يحاول الجميع التلاعب به، ولكنّه يثبت أنّه أقوى وأذكى ممّا كان متوقّعاً. 

استطاع المخرج أن يدير ببراعة المساحة المعمارية لمسجد سليمان القانوني في إسطنبول، ليُسقط بشكل ساحر الجوّ المعقّد والداخلي لـ"الأزهر". كذلك أظهر موهبته في التقاط الإيقاع النابض بالحياة لشوارع القاهرة، في أسلوب قريب من الفيلم الوثائقي. إلا أنه، على الرغم من كل ذلك، لم يستطع إعطاء القصة إيقاعاً سردياً يتماهى مع حركات الكاميرا السريعة. 

من الجدير بالذكر أن طارق صالح (1972) منتج تلفزيوني ورسّام وناشر. كان في أوائل التسعينيات واحداً من أبرز فنّاني الكتابة على الجدران في السويد. عملَ كمقدم برامج في التلفزيون، وهو أحد مؤسسي شركة إنتاج "ألجو". من بين أعماله نذكر: "الذين خانوا تشي غيفارا" (2001)، و"الحزن" (2011)، و"حادث النيل هيلتون" (2017). 

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون