تقف هذه الزاوية مع شخصية ثقافية عربية في أسئلة سريعة حول انشغالاتها وجديد إنتاجها وبعض ما تودّ مشاطرته مع قرّائها. "كنتُ أتمنّى أن أعمل عملاً حرفيّاً، يدويّاً، بعيداً عن الأعمال الذهنية"، يقول الناقد والأكاديمي المصري في لقائه مع "العربي الجديد".
■ ما الذي يشغلكَ هذه الأيام؟
- ما يَشغلني الآن هو منهجية كتابات التراجم والسير العربية في مدوّنة التراث العربي؛ فالمتأمّل لِما كتبه القدماء في هذا المجال - أمثال ياقوت الحموي في "معجم الأدباء"، وجمال الدين القفطي في "إنباه الرواة"، والثعالبي في "يتيمة الدهر" و"تتمّة اليتيمة" - يكتشف وجود تعدُّد في مناهج الكتابة، وإنْ كان ثمّة اتفاق ضمني على الخطوط العريضة لآليات كتابة التراجم. وهذا التعدُّد انعكس لاحقاً في كتابات المتأخّرين؛ فمثلاً سيرة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، بدءاً من كتابة ابن هشام ووصولاً إلى ما كتبه هيكل والعقّاد وجودت السحّار والحكيم وطه حسين، لم تأتِ في صيغة واحدة، بل أخذت أشكالاً متعدّدة ما بين التاريخي والعلمي والأدبي (القصصي والمسرحي والرحلي).
■ ما هو آخر عمل صدر لكَ وما هو عملكَ المقبل؟
- آخر عمل صدر لي هو كتاب "ضدّ الرواية: جغرافيا النصوص الأدبية"، وهو الكتاب الفائزة بـ "جائزة كتارا" في "فرع الدراسات النقدية" عام 2021. وأنتظر قريباً صدور كتاب "البلاغة العمياء: بحث في الخيال الرحلي عند طه حسين"؛ وهو الكتاب الفائز في دورة العام الحالي من "جائزة ابن بطّوطة لأدب الرحلات" التي يمنحها "مركز ارتياد الآفاق". والعملان يدوران حول ثيمة تتّصل بخلخلة مفهوم الرواية وتولُّد أشكال قريبة ومحايثة. أمّا ما أشتغل عليه الآن، فهو استكمالٌ لما طرحته في كتاب "ضدّ الرواية" حول النصوص المفتوحة، وحالة التداخل (أو التفاعل) بين الرواية والسيرة والصورة القلمية، وطرائق الكتابة السردية لهذه الأنواع.
■ هل أنت راضٍ عن إنتاجك ولماذا؟
- في الحقيقة لا، ومن الممكن الاستعانة بمقولة العماد الأصفهاني "لا يكتب إنسان كتاباً في يومه إلّا قال في غده لو غيّر هذا لكان أحسن، ولو زيد هذا لكان يُستحسن، ولو قدّم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل. وهذا من أعظم العِبر". الشاهد هنا تأكيدٌ على استيلاء النقص على جملة البشر. ومن ثمّ تجتاحني الرغبة في إعادة ما كتبت، لكن لا الوقت يسمح، ولا ما يشغلني يسمح لي بالعودة إلى ما سبق أن كتبته.
■ لو قُيّض لكَ البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
- في الحقيقة لن أختار مهنة الكتابة، أو ما يتّصل بها كالعمل في الجامعة. كنتُ أتمنّى أن أعمل عملاً حرفيّاً، يدويّاً، بعيداً عن الأعمال الذهنية.
تجتاحني رغبة في إعادة ما كتبتُ، ولكنْ يصعب تحقيق ذلك
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- وهل لو تمنّيتُ سيتحقّق؟ مع الأسف، نحن كلَّ عام نُقبل على الأسوأ، ومن ثمّ لم أعُد أطمح في أمنيات، ولا أنتظر أن يحدث تغيير ما. خرجنا من كارثة كورونا، وما ترتّب عليها من انغلاق وقيود وحصار، ففوجئنا بالحرب الروسية - الأوكرانية، وما أحدثته من تأثيرات اقتصادية هائلة، وما زالت.
■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- طه حسين؛ فشخصية "العميد" نموذجٌ للإنسان العصامي الذي استطاع أن يُحقّق ما عجز عن تحقيقه الأسوياء، إضافةً إلى أنّه حرّك السواكن في الدرس النقدي، حتى لو اختلفتُ مع بعض أطروحاته، فإنّه يكفي أنّه أعْلى من قيمة العقل وحرّض على التفكير الخلاق المستنير.
■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
- ما أستعيده دائماً هو كتاب "التفكير العلمي" لفؤاد زكريا، وكلّما عدتُ إليه، أدعو للدكتور جابر عصفور بالمغفرة والرحمة؛ فهو أوّل مَن وجّهني إلى قراءته في أوّل محاضرة له. أعطانا قائمة بمجموعة من الكتب التي يجب أن نقرأها قبل المحاضرة القادمة، ومن ضمنها كتابات إيهاب حسن، لكن كان تأثير "التفكير العلمي" كبيراً. أتوجّه، هنا، بالتحية إلى القائمين على سلسلة "عالم المعرفة" لإعادة نشره مؤخَّراً بعد وصول السلسة إلى العدد 500.
■ ماذا تقرأ الآن؟
- لا قراءات لأعمال جديدة في هذه الفترة، باستثناء نصّ "أقفاص فارغة" لفاطمة قنديل، ونصّ "عزيزي المستبدّ" لزينب عفيفي. فمع بداية العام الجديد، بدأتُ إعادة قراءة النصوص القديمة، مثل "ألف ليلة وليلة" و"كليلة ودمنة"، وأحياناً أعود إلى كتابات طه حسين، ونجيب محفوظ، وشكري عياد، وغالي شكري، ولويس عوض، كلّما سنحَت الفرصة.
■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
- بالتأكيد أم كلثوم على صدر القائمة، لكنّني من هواة فريد الأطرش ومحمد فوزي، وأفضّل عزف آيتاش دوغان على القانون.
بطاقة
ناقدٌ وأكاديمي مصري من مواليد محافظة قنا عام 1975، حاصل على الدكتوراه من "جامعة القاهرة" عن دراسة بعنوان "رواية السيرة الذاتية في مصر". يدرّس في "كلية الإلهيات" بـ"جامعة رجب طيب أردوغان" في تركيا ويكتب في عدّة صحف عربية. من مؤلَّفاته: "السيرة الذاتية: سؤال الهوية والوجود"، و"رواية السيرة الذاتية: دراسة في التأصيل والتشكيل"، و"جماليات النصّ الروائي"، و"نجيب محفوظ: الذاكرة والنسيان"، و"القارئ العادي والتيه النقدي"، و"استرداد طه حسين"، و"ضدّ الرواية: جغرافيا النصوص الأدبية". حصل على العديد من الجوائز.