وقفة مع عبد الرحمن الإبراهيم

09 نوفمبر 2022
وقفة مع عبد الرحمن الإبراهيم
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع شخصية ثقافية عربية في أسئلة سريعة حول انشغالاتها الإبداعية وجديد إنتاجها وما تودّ مشاطرته مع قرّائها. "نحن بحاجة لمؤسسات تعليمية تُطوِّر العقل العربي بعيداً عن الانتماءات"، يقول الباحث الكويتي في حديثه إلى "العربي الجديد".



■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
في هذه الأيام أجدُ نفسي مُركِّزاً على التاريخ المُهمَّش، أو التاريخ الراكد، أو حتى ما يُسمّى تاريخ الناس في الخليج والجزيرة العربية، وهو التاريخ الذي نحتاج اليوم لتحريكه اليوم والبحث بشكل أعمق فيه. فالمقصود بالتاريخ الهامشي -هنا- التاريخ الذي لم يُكتب، ولم يُحلّل بالشكل العميق الصحيح من قِبل الباحثين، فأصاب هذا التاريخ الركود وصار التركيز على ما هو مألوف في تاريخنا المحلّي. بطريقة أُخرى، كتُب التأريخ الكويتية والخليجية ركّزت بشكلٍ واضح على طبقات معيّنة، كان لها نفوذٌ بحُكم عوامل عديدة في زمانهم، أبرزها الجانب الديني والجانب الاقتصادي، ولذلك حُفظت تواريخ هذه الطبقات لا لأنها مُميّزة، بل لأنها كانت تملك العوامل التي جعلت الآخرين يكتبون عنها. هذه الطبقات بلا شكّ لها أثرٌ كبير في التاريخ السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي لمنطقة الخليج والجزيرة العربية. 
لكن في ذات الوقت همّش هؤلاء المؤرّخون إسهاماتِ بقية شرائح المجتمع بقصدٍ أو بدون قصد، الأمر الذي أدّى إلى استمرار التحليل التاريخي باتجاهٍ رسمه مؤرّخون كتبوا كتبهم قبل عقود. لذا، أسعى لنشر كتاب يؤصّل للهامش في تاريخ الخليج العربي منطلقاً ممّا كُتب في الأدبيات الغربية، في محاولة لإضافة التأطير المنهجي، والاعتماد أكثر على التاريخ الإسلامي واللغة العربية بعيداً عن المركزية الأوروبية في كتابة التاريخ. هذا لا يعني عدم الاستعانة بالأفكار والأدبيات الأوروبية، بل يعني أن لا نأخذها كقوالب جاهزة ونطبّقها على تاريخ الخليج والجزيرة العربية.


■ ما آخر عمل صدر لك وما عملك القادم؟
آخر عمل صدر لي كان كتاب "لا يُكتب التاريخ مرّة واحدة: قراءات نقدية في التاريخ الكويتي والخليجي"، وقد جمعتُ فيه المقالات العِلمية المنشورة لي باللغة العربية، التي كان معظمها مُنصبّاً على النقد التاريخي، وكذلك على نقد مصادر بعض المشيخات في الخليج والجزيرة العربية. أما باللغة الإنكليزية، فكان لي مقالٌ عِلمي منشورٌ عن تاريخ العبيد والوُجهاء الذي حاولت من خلاله إبراز دور بعض العبيد الذين كانت لهم سُلطة في تاريخ الخليج العربي، ولم يُسلّط المؤرّخون عليهم الضوء بشكلٍ كبير. عنوان المقال بالإنكليزية: "Glimpses of an Untold History of the Gulf: Notable Slaves as an Example"

■ هل أنت راضٍ عن إنتاجك ولماذا؟
الإجابة عن هذا السؤال نِسبية؛ فمن يحاول أن يكون له علاقة والتصاق بالعِلم يُدرك مع مرور السنوات مقدار جهله، فالرجوع إلى ما نشره الباحث خلال العشر سنوات الماضية، وتعديلها والبناء عليها وتنقيحها، يعطي دليلاً على أنه حتى وإن كان هناك رضىً عن الإنتاج في وقته، إلّا أن هذا الرضى يتناقص مع مرور السنوات ما دام الباحث يحاول تطويرَ أدواته البحثية، ويعمل على توسيع مداركه العِلمية. وحيث إنني أعمل حالياً على ترجمة رسالتي للدكتوراة من الإنكليزية إلى العربية، التي بدأتُ كتابتها عام 2013، أجد نفسي مضطرّاً إلى نقد نفسي وتغيير بعض الأفكار، وتجاوُز بعض الأخطاء وتطوير بعض الفصول وإلغاء غيرها، ومن هنا يُدركُ كلُّ مُحبٍّ للعِلم أنّ عليه العمل دون توقّف حتى تنتهي رحلتُه في هذه الحياة. 

الرضا يتناقص بمرور السنوات وتطوير الأدوات البحثية


■ لو قيض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
سأختار التاريخ؛ لكن سأدرس المرحلة الجامعية في الغرب، لأن نظام التعليم هناك متطوّر، إذ يدرس طالب التاريخ منهجيات التاريخ ونظرياته وفلسفته بعمق وتفصيل، وهذا مما يبني الباحث ويؤسّسه. وكنت قد كتبت مقالاً بعنوان "هل يستطيع المؤرّخ الخليجي التفكير؟" ناقشتُ فيه بعضاً من هذه الأفكار بشكل نقدي.


■ ما التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
عندي أملٌ في أن تسود العدالة والمساواة والحرّيات في عالمنا العربي، وأن يتطوّر التعليم، فالعقول العربية تستحقّ نُظماً سياسية أفضل، وكذلك مؤسسات تعليمية وبحثية تُطوِّر العقل العربي بعيداً عن المحسوبيات والانتماءات العرقية والطائفية.

 
■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟ 
رُوّاد "مدرسة الحوليات الفرنسية" في أطوارها الثلاثة مثل: مارك بلوخ، ولوسيان فيفر، وفرناند بروديل، وجاك لوغوف. لكونهم غيّروا طريقة كتابة التاريخ من التاريخ المتعلق بالسياسة والدبلوماسية والوثائق والمعاهدات إلى تاريخ البنى الثقافية والاجتماعية، والذهنية والاقتصادية وغيرها. أتمنى من الناشرين العرب الاهتمام أكثر بترجمة تراث الحوليات إلى العربية.

 
■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
أعود دائماً إلى كتب تاريخ الخليج والجزيرة العربية مثل "تاريخ الكويت" لعبد العزيز الرشيد، وكتب التواريخ النجدية والزبيرية، ففي كلّ مرّة أُعيد قراءة هذه المراجع أجد نفسي أنظر إلى زوايا مختلفة تفيدني في محاولة التأصيل للتاريخ الهامشي في الخليج والجزيرة العربية. أما الصديق، فهو عبد الله العبيد، أستاذ التاريخ الإسلامي بـ"جامعة الكويت"، إذ يشاركني هموم الكتابة المنهجية في التاريخ، وكذلك الصديق طلال الموعد الشمري، وهو نسّابة ومؤرّخ، وكلاهما يساعدانني على تجاوُز النظرة التقليدية لتاريخ الخليج والجزيرة العربية.

كتبت مقالاً بعنوان "هل يستطيع المؤرّخ الخليجي التفكير؟"


■ ماذا تقرأ الآن؟
أقرأ كتاب "انتحار المثقفين العرب" لمحمد جابر الأنصاري.


■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
لستُ من هواة سماع الأغاني، لكن تجذبني الأغاني التي كلماتها في الأصل قصيدةٌ من عيون الشعر العربي مثل "أراك عصي الدمع" لأبي فراس الحمداني، التي غنتها أم كلثوم، وكذلك تجذبني المُوشّحات الأندلسية.


بطاقة
باحث وأكاديمي كويتي، متخصّص بتاريخ الخليج العربي والدراسات المتعلّقة به، وبالأخص جوانب الطبقات والجماعات المهمّشة فيه. حاصل على الدكتوراه من "جامعة إكستر" في المملكة المتحدة عام 2017. له عدد من الأوراق والأبحاث بالإنكليزية، منها: "سياسة الكويت قبل الاستقلال" (2019)، "المشيخة المهمّشة على حدود الإمبراطوريات: مدخل إلى الزبير" (2020)، وبالعربية "لا يُكتب التاريخ مرّة واحدة" عن "منشورات تكوين" (2022).

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون