وقفة مع سليمان المعمري

17 أكتوبر 2022
سليمان المعمري
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع شخصية ثقافية عربية في أسئلة سريعة عن انشغالاتها الإبداعية وجديد إنتاجها وبعض ما تودّ مشاطرته مع قرّائها. "أنّ يؤدّي كلّ فرد ما عليه فقط، أمرٌ يوازن نظام الحياة" يقول الكاتب العماني في حديثه مع "العربي الجديد".


■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟

- العمل في المرحلة الثانية من مشروع الكِتاب الصوتي العُماني. وهو مشروع أطلقتْه وزارة الإعلام العُمانية السنة الماضية عبر منصتها الإلكترونية "عين"، وأُنجِزَ في مرحلته الأُولى عشرون كتابًا عُمانيّا في الأدب والفكر والتاريخ وصنوف المعرفة الأُخرى، وهو عمل ممتع لأنه يتيح لي الاقتراب أكثر من النتاج المعرفي العُماني حديثه وقديمه. 


■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟

- آخر عمل صدر لي هو كتاب "نظري ضعيف وعندي نظارة"، صدر هذه السنة عن "الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء" بالتعاون مع دار "الآن ناشرون". وهو عن تجربتي في القراءة يتضمّن تأمّلات حولها، ويوميات قرائية، ومراجعات لكتب أحببتها. أما عملي القادم فهو كتاب عنوانه "من مسافة قريبة" جمعتُ فيه حوارات مع ستة عشر مثقّفًا عربيًّا أجريتُها عبر عملي الإعلامي في "إذاعة سلطنة عُمان"، وسيصدر مطلع السنة القادمة. 

أنّ يؤدّي كلّ فرد ما عليه فقط، أمرٌ يوازن نظام الحياة

■ هل أنت راضٍ عن إنتاجك ولماذا؟

- لا طبعًا. ولا أظنّ أي إنسان، سواء كان مبدعًا أو غير ذلك، يرضى بما أنتج. عندما ترضى بما أنتجتَ فكأنما تقرر - ضمنيًّا - أنك وصلتَ إلى نهاية المطاف، لم يعد أمامك شيءٌ لتضيفه في الحياة أو الإبداع. في حين أنّ عملنا هو في الأصل ناقص مهما حاولنا البلوغ به أقصى درجات الكمال، بل إنّنا نذهب إلى هذا العمل ونحن على علم مسبق بأنه سيبقى ناقصًا مهما اجتهدنا فيه، فنحن بشر في النهاية ويطوّقنا النقص من كلّ جانب. مثلًا من الأمور التي أدهشتني في فوز آني إرنو، الكاتبة الفرنسية، بـ"جائزة نوبل" الأخيرة أنها اعتبرت هذا الفوز مسؤولية كبيرة أُلقِيَت على كاهلها من أجل مواصلة الشهادة "لشكل من أشكال الإنصاف والعدالة في ما يتعلّق بالعالم". تخيّل، تقول: "مواصلة الشهادة" وهي التي تجاوز عمرُها اثنين وثمانين عامًا وحقّقت أقصى ما يحلم به أي أديب وهو الفوز بـ"جائزة نوبل".


■ لو قيض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟

- بصراحة لا أدري. من السهل أن أقول إنه لو عاد بي الزمن إلى سنّ السادسة عشرة سأرفض دعوة خالي التي أقنع بها أبي لانتقالي من مدرسة نظامية عادية أدرس فيها فقط، إلى أُخرى عسكرية أدرس فيها وأستلم راتبًا بوصفي جنديّا. لكنّي أعرف أنني لن أفعل. فكلّ قرار نتّخذه هو ابن زمنه وظروفه. في ذلك الزمن البعيد أبي هو من اتّخذ القرار، أنا فقط صادقتُ عليه بالموافقة، لأنه لا سني، ولا تجربتي، ولا ظروفي العائلية، كانت تسمح لي بأكثر من ذلك. لو كنتُ طبعًا بوعي اليوم فالمؤكّد أنّني لن أوافق. وبما أنني اليوم لستُ ذاك المراهق الذي كان في عام 1989 فإنّ الحياة لن تعيد لي نفس الخيارات، إن خياراتها تصبح أصعب وأصعب كلّما تقدّمنا في العُمر، وكأنها تأخذ منّا ضريبة الخبرة والتجارب. 


■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟

- أنّ يؤدّي كلّ فرد ما عليه فقط، وهو أمرٌ في منتهى السهولة ويؤدّي إلى توازن نظام الحياة. أن يهتمّ الفلّاح بحراثة الأرض وسقي مزروعاته، والمعلّم بتربية النشء والتأكّد من أنّهم مستوعبون للدرس، والمحامي بالدفاع النزيه عن المظلومين، والصحافي بنشر الحقيقة للناس، والمسؤول بقضاء مصالح الناس. لا أطلب تجويدًا في العمل من هؤلاء، يكفي أن ينجزوا الحدّ الأدنى من متطلّبات عملهم، وحينها سيكون العالم أفضل بكثير.   


■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟ 

- أبو حيان التوحيدي. لأسأله: "هل أحرقتَ كتبك حقًّا؟". رغم أنني بحثتُ كثيرًا في هذا الموضوع إلّا أنني لم أصل إلى جوابٍ شافٍ. هناك من يقول إن التوحيدي أحرق كتبه فعلًا مستشهدًا برسالته إلى القاضي أبي سهل عليّ بن محمد التي يعتذر فيها عن هذه الفعلة ويبرّرها بأنه لا يريد أن يتركها لأناس جاورهم أكثر من عشرين سنة فلم ير منهم إلّا كل سوء، لكن هناك من يقول إن هذا الاعتذار الذي أثبته ياقوت الحموي في "معجم الأدباء" هو اعتذار من أبي حيّان عن إحراقه مكتبته الكبيرة لا مؤلّفاته الشخصية، بدليل أنّ معظم مؤلّفاته عاشت بعد وفاته، ولم يُفقَد منها سوى كتابٍ واحد فقط. لا أحد يستطيع تأكيد هذا الأمر اليوم إلّا أبو حيان نفسه. 

كتابات غاليانو وكيليطو تذهب بي إلى قضاء نزهة قرائية

■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟

- عبد العزيز الفارسي. منذ رحيله قبل ستة أشهر وأنا شبه مطارَد بذكرياتنا معًا. في يوم رحيله، وبعدما ألقيتُ عليه النظرة الأخيرة في منزل أبيه الشيخ محمد بن ماجد، ذهبتُ بعيدًا في ذكرياتنا معًا، ثلاثة وعشرون عامًا من الصداقة تجسَّدتْ أمامي كشريط سينمائي. ظننتُ ذلك من هول الصدمة، بسبب طزاجة الرحيل الذي لم تمضِ عليه سوى ساعات. لكنّه استمرّ إلى اليوم. بالنسبة للكتب ليس هناك كتاب معين، لكنّ عندي مؤلّفين أعتبرهم خاصة الخاصة وأذهب إلى مؤلّفاتهم عندما أودّ أن أقضي نزهة قرائية، بمعنى إضافة المتعة إلى المعرفة أثناء القراءة. من هؤلاء إدواردو غاليانو وعبد الفتاح كيليطو. 


■ ماذا تقرأ الآن؟

- كتاب "على عينك يا تاجر" للكاتب المصري عماد فؤاد. كتاب جديد صادر منذ أسابيع فقط يشرّح فيه واقعنا الثقافي العربي في الخارج بشكل خاص، وفي داخل الوطن العربي بشكل عام. يعرّي لنا ماذا يحدث من المثقفين العرب في الخارج، ويتحدّث عن واقع ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأُخرى والظروف التي ترافق هذه الترجمة، وعن الأمراض الثقافية العربية، وكثير ممّا يستحقّ القراءة. 


■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟

- تعرفتُ مؤخرًا على فرقة موسيقية سورية جميلة بالصدفة عندما كنتُ أبحث في "غوغل" عن تجارب موسيقية عربية جديدة. في البداية شدّني الاسم "خبز دولة" لكنّي حين استمعت إليها من "يوتيوب" شدّتني الموسيقى الجميلة التي تقدّمها. وعرفتُ أنّها سمت نفسها بهذا الاسم تيمّنًا بأول ألبوم قدّمته اسمه "خبز دولة". وطبعًا أقترحها للسماع بشدّة. 


بطاقة

كاتب وإعلامي عُماني من مواليد عام 1974. صدرت له روايتان: "الذي لا يحبّ جمال عبد الناصر" (2013). و"شهادة وفاة كلب" (2016) وهي رواية مشتركة مع الكاتب الراحل عبد العزيز الفارسي. وثلاث قصص قصيرة: "ربما لأنه رجل مهزوم" (2000). و"عبد الفتاح المنغلق لا يحب التفاصيل" (2009)، و"الأشياء أقرب مما تبدو في المرآة" (2006). التي تحصّلت على "جائزة يوسف إدريس للقصة العربية" (2007). له في المقالات كتابان أيضاً: "يا عزيزي كلنا ضفادع" (2007)، و"نظري ضعيف وعندي نظارة" (2022)، وكتاب سيرة مكان بعنوان "كائنات الردّة" (2018)، كما أعدّ كتاب "ليس من زماننا" حوار وشهادات عن الكاتب عبد الله حبيب (2015). بالإضافة إلى عدد من الكُتب المشتركة مع مؤلّفين آخرين.

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون