تقف هذه الزاوية مع شخصية ثقافية عربية في أسئلة سريعة حول انشغالاتها الإبداعية وجديد إنتاجها وبعض ما تودّ مشاطرته مع قرّائها. "المسرح العربي يوحّد الجماعات في المهرجانات، ولكنه هازم اللذّات مشتّت الصداقات"، يقول الأكاديمي والناقد المسرحي المغربي في حديثه إلى "العربي الجديد".
■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
- انشغالات عدّة: انشغالات نهاية الموسم الجامعي، الصيف المقبل بحرٌ أم جبل؟ أم حجْرٌ منزلي من دون وباء؟ متى أنتهي من الصيغة النهائية لكتابي القادم؟ كيف تنام ابنتي من دون بكاء؟ كيف أعلّم ابني السباحة؟ أمّا ركوب الخيل فغير وارد... متى ينزل فيلم سكورسيزي الجديد؟ كيف أعثُر على مسرحيات غير مملّة في صيف قائظ؟ كيف أستعيد جرأتي المفقودة في النقد، وأكتب عن مسرحية مملّة لمخرج صديق بكلّ صراحة؟ كيف أستمرّ على مقاطعة التلفزيون حتى لا أُصاب بداء الحرب؟
■ ما آخر عمل صدر لك وما عملك القادم؟
- آخر عمل كان كتاباً صدر في الشارقة عام 2019 بعنوان "المسرح العربي والعالم". والمشروع القادم هو كتابٌ نقدي يجمع دراسات حول المسرح العربي عنوانُه "خوارزميات المسرح العربي"؛ عملٌ يحاول النبش في القِيم الناظمة لممارسة المسرح عند العرب، ومفهومه لديهم، وطريقة تصريفهم لهذا المفهوم.
تشغلني استعادة جرأتي المفقودة في النقد المسرحي
■ هل أنت راض عن إنتاجك، ولماذا؟
- في الكتابة ليس هناك رضا، على الأقلّ بالنسبة إليّ. هناك دائماً قلق وتساؤُلات لا تتوقّف. أحياناً يُغالبني إحساسٌ بأنّي ضيّعتُ وقتاً طويلاً في متابعة المسرحيات والمهرجانات على حساب القراءة والتأمّل والكتابة. أحياناً أُخرى يتملّكني الندم على "حُسن النيّة" الذي عبّرتُ به عن تجارب أو مسارات مسرحية وهي لا تستحقّ، فتحوَّل "حُسن النيّة" إلى خيبة ونفاق. المسرح العربي يوحّد الجماعات في المهرجانات، ولكنه هازم اللذّات مشتّت الصداقات.
■ لو قُيّض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
- لم أختر هذا المسار لأفترض اختياراً جديداً لو قُيّض لي ذلك. مستقبل الإنسان أمرٌ غامض ومُلْغز، مبنيٌّ، ربّما، على مصادفات ومنعرجات أكثر منه على الاختيارات. ورغم ذلك، لو قُيّض لي اختيار حياة جديدة لاخترتُ الموسيقى... آلة الموسيقى هي التي لا تخون صاحبها أبداً. العازف قد تخونه أصابعُه، ولكنّ الكمنجات لا تخون.
■ ما التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- العالم لا يتغيّر وفق أحلام كاتب مثلي. والجواب الدبلوماسي الناعم هو التعبير عن الأمل بتغيُّر العالم نحو الأفضل. لكنّنا نعلم أنّ هذا مخالف للحقيقة. العالم يتحوّل نحو الأسوأ، ويكشف عن مأساوية صراع المصالح. لهذا، آمل أن تكشف هذه المأساوية عن حالها بكلّ قساوة، لكي يُسمَح لي بأن أعيش العالَم نيئاً وقاسياً مثل وجه قبيح نُزع عنه القناع.
■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- شخصيات كثيرة: ابن رشد وهو يرى كتبه تحرق... مايرهولد المسرحي الشيوعي الذي سجنه زملاؤه الشيوعيون السوفييت قبل أن يُجهزوا عليه... فيديريكو غارثيا لوركا وهو يقف مفتوح العينين يُلقي قصائده قبل إعدامه...
■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
- أطلب الحكمة من استرجاعي علاقتي بالدكتور حسن المنيعي، رحمه الله، وأعود دوماً إلى كتابين: "مجتمع الفرجة" للفيلسوف غي ديبور، و"الوضع ما بعد الحداثي" لجان فرانسوا ليوتارد.
■ ماذا تقرأ الآن؟
- أقرأ "دفاتر الورّاق" لجلال برجس، ثم بعض الكتب النظرية. أُراجع "تاريخ المسرح" لباندولفي.
■ ماذا تسمع الآن؟ وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
- ما زلتُ وفيّاً لما تربّيتُ عليه من موسيقى: أغاني "ناس الغيوان" المغربية، صوت الكمنجات المذبوحة بأصابع عازفي فنّ العيطة المغربية، مارسيل خليفة، كات ستيفنس، بوب مارلي... أي كلّ الموسيقى التي استمرّت بعد خيبة الحلم بالتغيير وأوهام اليسار. ولا أُخفي انجذابي إلى بعض الفنّانين الجدد، شاكيرا بالتحديد، فهي صانعة فرحة رهيبة.
بطاقة
كاتبٌ وناقد مسرحي وأكاديمي من مواليد 1965 في المغرب. صدر كتابه الأوّل، "التجريب والمسرح"، سنة 1998 وكتابه الأخير، "المسرح والعالم"، في 2019. وبينهما صدر له عددٌ من الكتب والدراسات والمقالات والمسرحيات. أسّس وأدار "مهرجان فاس للمسرح الجامعي" بين سنتَي 2006 و2017.