تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أسئلة حول انشغالاته وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه. "سأكون سعيداً لو عدت إلى المدارس التي درستُ فيها، لإنجاز أي شيء مفيد لهذه المؤسسات"، يقول التشكيلي التونسي في حديثه إلى "العربي الجديد".
■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
مشروعان هامّان شغلاني مؤخراً. الأوّل "معجم مصطلحات الفنون البصرية"، وهو مؤلّف من الحجم الكبير (760 صفحة) شرعت في إنجازه منذ فترة طويلة، ويمكن القول بأنّه يختزل تجاربي البحثية منذ عقود ثلاثة. وقد صدر منذ أيام قليلة. أمّا المشروع الثاني، فهو المؤلّف الجماعي الفني: "الفنون الجميلة بتونس، مسيرة أجيال ورهانات إسطيتيقية وثقافية"، الذي أتولّى إدارته ويتضمّن أربعة مجلدات وفهرساً وهو في علاقة بالندوة التي نظّمتها "جامعة تونس" في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 تحت نفس العنوان. تعطّل مشروع هذا المؤلّف السنة الماضية بسبب المعوّقات التي فرضتها جائحة كوفيد 19، إلّا أننا نعود إليه من جديد الآن بكلّ حماسة مع "دار نيرفانا" المختصّة في مثل هذه الكتب الفنية. أُطَمْئِن كلّ الباحثين المشاركين في هذا المؤلّف الجماعي وأعلمهم بأن أشغاله تتقدّم رغم الصعوبات التي تعرّض إليها.
■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك المقبل؟
آخر إنجاز مهمّ لي في المجال الفني هو المعرض الافتراضي الذي أنجزته خلال الحجر الصحي في مايو/ أيار 2020 بعنوان "لمسة مميتة" والذي قدّمت فيه مجموعة من الأعمال الفنية الرقمية التي تتناول موضوع كوفيد 19. ويمكن الاطّلاع عليه على قناتي الشّخصية في "يوتيوب" (Sami Ben Ameur). وآخر ما صدر لي في مجال النقد الفني مقالٌ مطوّل حول هذه التجربة في المجلة الباريسية المختصة Ligeia، في عددها الصادر في شهر أيلول/ سبتمبر 2020. كما أنّي أواصل الرسم متى أشعر بالحاجة إلى ذلك. لكنّ الجديد هو أنّ التأليف أصبح في صدارة أولوياتي في هذه الفترة، وسيكون كذلك في الفترة المقبلة. حان الوقت لإتمام مشاريع شرعتُ في إنجازها سابقاً ولم أتمكّن بعد من إنهائها. لي أيضاً بعض المشاريع في الخارج سأشرع فيها في وقت لاحق.
■ هل أنت راضٍ عن إنتاجك؟
الفنان لا يرضى عمّا ينتجه، ذلك أنّه دائم التطلّع إلى المجهول والمغاير. لذلك، فإن تجارب الفنان هي بمثابة المغامرة التي لا نعرف إلى أين تُفضي. والشيء نفسه ينطبق على الباحث. أستمدّ الرضا اليوم من إنجاز معجم عربي حول الفنون البصرية، وأعتبره مساهمة منّي في إثراء البحوث الأكاديمية بالساحة الفنية البصرية في العالم العربي، وأكيد أنّه سيساعد الطلبة الباحثين في مجال الفنون في إعداد رسائلهم.
■ لو قيّض لك البدء من جديد، أي مسار تختار لك؟
عندما تحصّلت على شهادة البكالوريا كانت اختياراتي الثلاثة التي تخصّ توجّهي الجامعي فنيةً: مسرح وفنون تشكيلية وسينما. ولقد كانت لي تجارب متفرّقة في هذه الاختصاصات الثلاثة، وخصوصاً في مجال المسرح في شبابي. وقد استقرّ اختياري في الأخير كما هو معلوم على الفنون التشكيلية. ولو قُيّض لي البدء من جديد لأعدت اختيار المسار نفسه. أنا سعيد بكوني فناناً تشكيلياً وسعيد بكوني خضت تجربة في مجال البحث والتدريس في الجامعة التونسية. وبالمناسبة، أحيّي جميع طلابي من دون أيّ استثناء.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده للعالم؟
يعيش العالم أزمة حادّة منذ عقود. أسبابها عولمةٌ بُنيت على مصالح شركات أصبحت تتحكّم في الاقتصاد العالمي. وهو ما أثّر في الإعلام وفي تدهور القيم، وخلقَ هذه التفرقة الكبيرة بين شرائح المجتمع كما نراها اليوم. ما نتمنّاه هو أن يعود السلام لهذا العالم وأن ينتصر صوت العدل بين الشعوب والجماعات والأفراد. وأن ينتصر الحبّ بدلاً عن البغضاء. العلاقات بين الأفراد تدحرجت نحو الأسفل. والأنانية والبغضاء أصبحتا سيّدتي الموقف. ولقد كانت العشرية المنقضية مثالاً في هذا التدنّي السلوكي.
■ شخصية من الماضي تود لقاءها ولماذا هي بالذات؟
أود أن ألتقي بأساتذتي الذين درّسوني خلال دراستي الثانوية. بعضهم توفى ــ رحمهم الله ــ والبعض الآخر على قيد الحياة. أطال الله في عمرهم. أمّا لماذا؟ فالإجابة واضحة: من علّمك حرفاً، فأنت مدين له طوال الحياة. سأكون سعيداً جداً لو عدت إلى المدرسة الابتدائية والمعهد الثانوي اللذين دَرَست فيهما لإنجاز أيّ شيء مفيد لهاتين المؤسّستين.
■ صديق يخطر في بالك أو كتاب تعود إليه؟
لي العديد من الأصدقاء ولا أريد أن أميّز هذا عن ذاك. ومن الكتب الصديقة، كتابٌ استرعى اهتمامي منذ كنت طالباً في "السوربون" بباريس، وهو كتاب "النظام الخفي في الفن" (L’ordre caché de l’art) لـ أنتون إهرنزويغ Anton) EHRENZWEIG). وقد أعدت قراءته مرات عديدة وفي فترات متفرّقة، لما يتضمّنه من معرفة مفيدة للفنان وللناقد ولمدرّس الفنون. أنصح بالاطّلاع عليه.
■ ماذا تقرأ الآن؟
جلّ قراءاتي موجّه نحو الكتب ذات العلاقة باختصاصي، إلّا أنّي أهتم أيضاً بقراءة الشعر والرواية وما يتعلّق بالساحة الوطنية عندما أجد متّسعاً من الوقت لذلك. والآن أنا بصدد قراءة كتاب الرئيس التونسي السابق محمد الناصر: "جمهوريتان وتونس واحدة" (Deux Républiques, une Tunisie) للتعرّف على مسيرة أحد رجالات الدولة التونسية، لا سيّما في الفترة التي تقلد فيها رئاسة الدولة في 2019. مهمٌّ أن نقرأ لمَن ساهموا فعلياً في كتابة التاريخ.
■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
أهتمّ، عموماً، بمختلف أنواع الموسيقى العالمية، خصوصاً الموسيقى الصوفية التي تحملنا إلى عمق الإنسان بكلّ اختلافاته العِرقية. وأسمع خلال هذه الأيام إلى معزوفات الفنان ليو روخاس (Leo Rojas)، العازف على المصفار، وهو من الإكوادور. ونستشفّ في الموسيقى التي يقدّمها بُعداً روحياً يمتزج بأهازيج الطبيعة وبأصوات سكان أميركا الأصليين القدامى. وأقترح على القرّاء سماع بعض معزوفاته المتوفرة على موقع "يوتيوب".
بطاقة
فنان تشكيلي وباحث تونسي من مواليد 1954 بصفاقس. صدر له: "الفنون الجميلة: الاصطلاح وموقعه من الفكر الحديث" (2001)، و"معجم مصطلحات الفنون البصرية" (2021)، ويشرف حالياً على الكتاب الجماعي: "الفنون الجميلة بتونس". من معارضه الفردية: "شرائح من الضوء، نشوة من الألوان" (1991)، و"جلال الأرض" (2009)، و"الأرض البكر" (2015)، و"طبيعة حميمة" (2016)، و"لمسة مميتة" (معرض افتراضي، 2020).