تقف هذه الزاوية مع شخصية ثقافية عربية في أسئلة حول انشغالاتها وجديد إنتاجها وبعض ما تودّ مشاطرته مع قرّائها. "يشغلني الاستخفاف بالقضية الفلسطينية، الذي أصبح ملحوظاً في بعض الأوساط السياسية والثقافية العربية"، يقول الكاتب والناقد المغربي لـ"العربي الجديد".
■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
- على الصعيد الشخصي، يشغلني بشكل كبير، إتمام كتابي الجامعي باللغة الإنكليزية، وهو ينبني على رسالة الدكتوراه التي حصلت عليها من "جامعة أكسفورد" ببريطانيا سنة 2018، ويتناول أعمال ثلاثة كتّاب مغاربة من جيل مجلة "أنفاس" المعروفة. وكما باقي الأساتذة الجامعيين، يشغلني أيضاً في هذه الفترة الصيفية إعداد دروس السنة المقبلة وبرنامج الدورة الخريفية في "جامعة شيكاغو"، حيث أعلّم.
على صعيد آخر، أتابع عن كثب الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي يعرفها العالم وآثارها الاجتماعية والإنسانية، خاصّة على العالم العربي. يشغلني الوضع في فلسطين والعدوان المستمر على شعبها الشقيق والاستخفاف بالقضية الفلسطينية، الذي أصبح ملحوظاً في بعض الأوساط السياسية والثقافية العربية. نحتاج أكثر من أيّ وقت مضى إلى النظر في إخفاقاتنا التربوية والتفكير في مسؤولياتنا الفردية والجماعية. ينبغي علينا الخروج من النزاعات المفتعلة بين الجيران (كالمغرب والجزائر مثلاً) والرقيّ بمستوى النقاشات السياسية والثقافية. يشغلني أيضاً تدنّي نسَب القراءة ومستوى الوعي السياسي والتاريخي في عالمنا العربي، خاصّة عند بعض الفئات من الجيل الجديد.
■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
- آخر إصداراتي ترجمتي العربية لكتيّب للمفكّر السنغالي فالوين صار، وقد صدرت تحت عنوان "كيف نسكن العالم: رسالة في سياسة العلاقات" عن دار "كولت" بالرباط. يدعو صار في هذا الكتيّب إلى إعادة بناء علاقة الإنسان مع أخيه وبيئته ومع الأحياء بشكل عام في إطار فكر تواصلي جديد. كانت هذه الترجمة مساهمة مني في تقريب القارئ العربي من أفكار فالوين صار وفتح المجال إلى المزيد من التبادل الثقافي والمناظرة الفكرية بين الفضاء العربي والفكر الأفريقي.
أمّا في ما يخص الأعمال القادمة، فلديّ عملان باللغة الفرنسية: الأوّل كتيّب ذو طابع شعريّ ونتيجة عمل مشترك مع زميلتي ريم خان، وهي باحثة جامعية ومصوّرة تعيش حالياً في ألمانيا؛ هذا الكتيّب ــ الذي سوف يصدر في بروكسل، ببلجيكا ــ يتطرّق بالصورة والكتابة لعلاقتنا بالمدن وفضاءاتها التي نسكنها وتسكننا بأشكال عديدة. العمل الثاني روايةٌ تتناول موضوع الهجرة من خلال نصّ سرديّ ومجزّأ تمتزج فيه الأحداث الواقعية بالخيال.
الكتابة بجميع أشكالها مساهمة في النقاش العام
■ هل أنت راض عن إنتاجك ولماذا؟
- الرضى التام صعب المنال! فالبحث الجامعي أو العمل النقدي، مثلاً، ينبني على المراجعة والنقد المستمرّين، وتبقى بعض الأسئلة معلّقة حتى بعد نشر العمل، وهذا يشكّل في حد ذاته نقطة إيجابية تدعو إلى بذل المزيد من الجهود وإعادة النظر في المنهجيات والنتائج. أمّا في ما يخص العمل الإبداعي، فإنه غالباً ما يكون مرتبطاً بظرفية الكتابة وبالغاية منها، ومعنى الرضى فيه مختلف. وتبقى الكتابة ــ بكلّ أنواعها ــ رحلة مضنية وحافلة بالآلام والشكوك. مع ذلك، أنا راضٍ إلى حدٍّ ما على إنتاجي وأسعى دوماً إلى تطويره.
■ لو قيض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
- كان تكويني في البداية عِلمياً، فقد درست أربع سنوات في مدرسة مهندسين بجنوب فرنسا واشتغلت، في ما بعد، كمهندس ومدير مشاريع عقارية ومعمارية بباريس ثم بلندن. وكنت حينئذ أدْرس الأدب الفرنسي والمقارن في "جامعة باريس 3 ــ السوربون الجديدة". كانت تجربة صعبة ومشوّقة في آن واحد، وأنا جدّ فخور بما حقّقته في تلك المرحلة. لا شكّ أن تكويني العلمي وتجربتي المهنية ساعداني على تنظيم أفكاري وتقوية منهجيتي في دراسة وتحليل الأعمال الأدبية. ففي دراسة الأدب جانبٌ عِلمي هام لا ينبغي تفويته. لو قيّض لي البدء من جديد، ربما حرصت على دراسة الأدب في وقت مبكّر وبموازاة مع تكويني العلمي.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- من الصعب أن ينتظر المرء شيئاً من العالم بأسره. أحاول كباحث وناقد أن أصوغ ما أريده من خلال كتاباتي وأبحاثي. عندما أخصّص مقالاً نقدياً لإصدار جديد، أنتظر حدّاً أدنى من التجاوب والاهتمام من القرّاء. فالكتابة بجميع أشكالها مساهمة في النقاش العام ودعوة إلى المناظرة وتبادل الرؤى والتجارب. ربما ما أنتظره في هذا السياق هو المزيد من الانفتاح الفكري والقدرة على المناقشة الهادئة وتقبّل الرأي الآخر. صارت معظم النقاشات في زمننا هذا ذات طابع سطحي أو عنيف، وأحياناً عدواني. نحتاج إلى نشر ثقافة الحوار الهادئ والنقد البنّاء.
■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- كنت أتمنّى لقاء عدد كبير من الكتّاب والشعراء والمبدعين. ربما أذكر منهم الكاتب والشاعر والمخرج السينمائي المغربي الراحل أحمد البوعناني. قرأت مؤخّراً كتابه "الباب السابع" الذي صدر باللغة الفرنسية عن دار "كولت" بالرباط وتجري ترجمته إلى العربية، ويرجع الفضل في صدوره إلى فريق عمل يشتغل تحت إشراف ابنته الفنّانة تودة البوعناني والكاتب عمر برادة. يرصد الكتاب تاريخ السينما في المغرب بين 1907 و1986، وأثارني فيه جانبه الموسوعي وغيرة البوعناني على الثقافة المستقلّة والعمل المهني والجادّ، وكذا أسلوبه الذي يشدّ انتباه القارئ ويربّي فيه روح التحليل والنقد. وأنا معجب بشخصية البوعناني وأعماله الشعرية والسينمائية. نفتقد اليوم لمثل هذه الشخصيات المميزة، وبإمكاننا أن نتعلّم منها الكثير.
نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى النظر في إخفاقاتنا
■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
- رافقني في السنوات الأخيرة الكاتب والمفكّر المغربي عبد الكبير الخطيبي، وأعود دائماً إلى كتبه، خاصة سيرتَيْه الذاتيّتين: "الذاكرة الموشومة" و"الكاتب وظله"، فمساره وإسهاماته الفكرية مصدر إلهام مستمرّ. نحتاج في عالمنا العربي إلى حفظ ذاكرة مثقفينا ومبدعينا والعناية بالأرشيفات وإعادة إصدار الكتب التي نفدت طبعاتها.
■ ماذا تقرأ الآن؟
- كنت في مرحلة مخصّصة فقط للكتابة، وأستعدّ الآن لقراءة كتاب "من لسان لآخر: في ضيافة الترجمة"، للمفكّر السنغالي سليمان بشير ديان، ورواية "جزيرة البكاء الطويل" للكاتب والشاعر المغربي عبد الرحيم الخصار.
■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
- أستمع حالياً إلى فايزة أحمد ورائعتها "رسالة من امرأة"، من كلمات نزار قباني وألحان محمد سلطان، وهي أغنية تحرّك المشاعر وتهذّب النفس.
بطاقة
أستاذ جامعي وناقد وكاتب من مواليد الرباط عام 1986، حاصل على دكتوراه في الأدب الفرنكوفوني من "جامعة أكسفورد" ببريطانيا، يدرّس حالياً الأدب المغاربي في "جامعة شيكاغو" بالولايات المتحدة. له بالفرنسية روايةٌ بعنوان "رواية أجنبية" (بريزونس أفريكان، 2017)، كما أشرف مع جين هيدلستون على كتاب جماعي باللغة الإنكليزية مخصّص للكاتب والمفكّر المغربي عبد الكبير الخطيبي (منشورات جامعة ليفربول، 2020). صدرت حديثاً، في الرباط، ترجمته العربية لكتيّب فالوين صار "كيف نسكن العالم: رسالة في سياسة العلاقات" (دار كولت، 2022)، وله إسهامات عديدة في مجلّات ثقافية فرنسية وأميركية.