وقفة مع خالد الجرماني

26 ابريل 2021
خالد الجرماني
+ الخط -

■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
ــ أعمل هذه الأيام على التأليف الموسيقي لمشروع يجمع العود ورباعيا وتريا: آلتي كمان وفيولا وتشيلّو، وهو تحدٍّ كبير بالنسبة إليّ، لأنني لا أريد أن أدخل هذا العمل من باب الموسيقى الكلاسيكية الغربية، الأكاديمية تحديداً، وفي الوقت نفسه، يجب أن يكون صوتُ الرباعي وحضورُه أساسيّين. كما أكتب موسيقى لفيلم وثائقي من إنتاج تلفزيون "فرنسا 3"، يتحّدث عن طبيب فرنسي (هو رفاىيل بيتي) ذهب إلى شمال سورية لمساعدة المصابين تحت القصف.

■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
ــ أسطوانة "مرام"، التي أنجزتها فرقة، "باب السلام"، وخرجت للتداول عام 2020. شكّلت هذه الفرقة مع أخي، مهنّد الجرماني، وعازف الكلارينيت الفرنسي، رفائيل فويار. كما أصدر ثنائي "أنترزون" (مساحة تقاطع)، الذي يجمعني بعازف الغيتار الفرنسي سيرج تيسو غي، أسطوانة "كان يا ما كان" عام 2019. في كلتا الأسطوانتين كنتُ مولّفاً وعازف عود ومغنياً.

■ هل أنت راضٍ عن إنتاجك ولماذا؟
ــ يأخذ العمل وقته قبل أن ينضج ويصبح جاهزاً للنشر. أحياناً يكتمل بسرعة ولا يأخذ كثيراً من إعادة الصياغة والإعداد، وأحياناً أخرى قد يقضي سنواتٍ قبل الخروج إلى النور. في كلّ الحالات، قبولي للنتيجة لا يعني عدم المراجعة نقدياً في وقتٍ لاحق. عادة ما أستمع لأعمالي بعد نشرها بفواصل زمنية بعيدة، قد تصل إلى بضع سنوات أحياناً. أعيد اكتشافها وكأنني مستمع فحسب. ودائماً ما يكون عندي ملاحظات نقدية. بالمحصّلة، لا أعتقد أنّني متصالح مع أعمالي، لكنّني أقبل النتيجة باعتبارها بنْتَ لحظتِها ومكانِها وبنْتَ حالتي في ذلك الوقت.

موسيقاي لا تستخفّ بالموروث ولا تنغلق عليه

■ لو قُيِّض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
ــ كنتُ وما زلت أحلم بمشروعٍ جماعي يضم موسيقيات وموسيقيين، عازفات وعازفين، مؤلّفات ومؤلّفين، مغنّيات ومغنّين، يشبه ما كنّا بدأناه في المشرق العربي نهايات القرن التاسع عشر، بأصالة تلك الفترة وتوق فنّانيها للبحث عن الجديد، من دون الاستخفاف بالهوية والموروث ومن دون الانغلاق عليهما.

■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
ــ بعد الذي عشناه، نحن السوريين، من خذلان، وما عاشه العالم بعد أزمة كورونا، وبعد صعود كثيرٍ من المتطرّفين لأهمّ مراكز القرار، لا أعتقد أن العالم بخير. لا خيار أمام المستضعفين اليوم سوى اجتراح معجزة أن يثوروا على سيطرة ثلّة من الأشخاص على مقدرات ومصير العالم. لكنني لا أرى هذه الثورة في المدى المنظور، للأسف. ما دامَ مَن يعيش شمال وغرب البحر المتوسّط لا يرى أنّ قتل ديكتاتورٍ شعبَه في شرق وجنوب المتوسط سوف ينغّص عليه حياته هو في الغرب، وما دام من يعيش شرق وجنوب المتوسط لا يريد أن ينفتح على إنجازات الآخرين الثقافية والعِلمية والفلسفية، فإنّ كليهما لن يتحرّر.

■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟ 
ــ من الشرق: محمد القصبجي، لأسمع منه لماذا تمّ إقصاؤه عن التلحين بسُلطةِ واحدةٍ من أكبر مغنّيات الشرق الحديث (أم كلثوم). ومن الغرب: إيريك ساتي، لأسمع منه كيف وصل لروح الشرق موسيقياً، وهو لم يغادر فرنسا.

■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
ــ كثيرون هم الأصدقاء الذين يخطرون على بالي. أحد أكثرهم حضوراً هو عادل عبيد، صديقي في السجن (وهو من عمر أبي). كان من أكثر الناس تشجيعاً لي فنّيّاً، رغم عدم مجاملته لعملي إطلاقاً. رحل عن هذا العالم في ليلة الحفل الذي نظّمه "المعهد العالي للموسيقى"، في دمشق، لطلّابه المتخرّجين، وقد كنت من بينهم. لليوم أتناقش معه؛ نختلف ونتّفق، رغم الغياب. أمّا الكتاب، فهو "اللغة المنسية" لإيريك فروم، وهو كتابٌ في دراسة الأحلام ولغة الرمز والأسطورة. أعود إليه لأنّني أؤمن بأن الأحلام أكبر نافذة تُطلّ على ذواتنا، وأن فهمها يجعلنا نفهم الكثير عنّا وعن واقعنا.

لا أعتقد أن العالم بخير بعد الذي عاشه السوريون من خذلان 

■ ماذا تقرأ الآن؟
ــ رواية "وردّدت الجبال الصدى" لخالد حسيني. أعتبرها من أجمل ما قرأت، لا لأنّها تصف حالاً يُشبه حال ملايين السوريين اليوم فحسب، بل لأنّها مكتوبة بحبكة وبلغة تجعلانني أتوقّف، بعد بعض العبارات، لأشرد بعيداً، أو لأمسح دمعة غافلتني. أو لأقول بكلّ بساطة: من أين يأتي بهذا ابنُ الجنّي؟

■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
ــ أستمع إلى الرباعي رقم 15 لشوستاكوفيتش. كتبه وهو على فراش الموت في المستشفى. كم هو نبيلٌ وإنساني، أن يودّع إنسانٌ العالمَ بكلّ هذا الجمال وهو في غمرات الألم. ربما لم يقل لشوستاكوفيتش أهمّ ما لديه في هذه الرباعية، لكنّني واثق أنّه قال الأعمق والأوضح والأكثر حميمية. عندما أسمع هذا العمل، وعندما أقرأ آخر ما كتب محمود درويش، أقول لنفسي إن الكبار وحدهم يرحلون عن هذا العالم بسلام.


بطاقة
خالد الجرماني من مواليد السويداء في سورية (1972). عازف عود ومؤلّف موسيقي، خرّيج "المعهد العالي للموسيقي" في دمشق. شكّل ثنائي "أنترزون" (مساحة تقاطع) مع الموسيقي الفرنسي سيرج تيسو غي، وفرقة "باب السلام" مع مهنّد الجرماني (عود وإيقاع) ورفائيل فويار (كلارينيت). صدرت له، بشكل فردي أو مع فرقتَيه، عشر أسطوانات لدى شركات مثل "يونيفيرسال" و"هارمونيا موندي"، التي أصدرت له، بالتعاون مع "معهد العالم العربي" في باريس، أسطوانة عزف منفرد على العود بعنوان "أثر" (2013). من آخر أعماله أسطوانتا "مرام" (مع فرقة "باب السلام"، 2020) و"كان يا ما كان" (ضمن ثنائي "أنترزون"، 2019).

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون