"وسط البلد".. المدينة العربية أمام الكاميرا

28 فبراير 2023
من الإسكندرية التي كانت موضوعاً لحلقة 23 شباط/ فبراير الماضي (Getty)
+ الخط -

في أيلول/ سبتمبر الماضي، انطلقت على شاشة "العربي 2" برمجةٌ تلفزيونية جديدة، تميّزت بالتنوّع بين عدّة مجالات من الثقافة إلى الفنون بألوانها المختلفة، إلى الصحة وبرامج الحياة اليومية وكذلك المسلسلات. ومن بين هذه البرامج حضر "وسط البلد" (يُبثّ كل خميس عند السابعة مساءً بتوقيت القدس المحتلّة) بوصفه رحلة سياحية مُكثّفة في خمس وعشرين دقيقة، تنقل المُشاهِد بين مُدن عربية، من خلال لقطات توثّق الجوانب التراثية في كلّ مدينة تزورها كاميرا البرنامج، دون أن تبتعد أيضاً عن الومضات العصرية التي تُعرَف فيها؛ خاصة في الحلقات التي تتناول العواصم والمُدن العربية الكبيرة.

من عمّان كانت الانطلاقة ثم القاهرة، حلقتان شكّلتا امتحاناً حقيقياً لما يريد البرنامج أن يقولَه، وتحدّياً لوجستياً لِما في هاتين المدينتين من مرافق ومعالم كثيرة يُمكن الالتفات إليها. نحن هنا نتحدّث عن مكانٍ ذي طبقات عديدة، بكلّ ما تعنيه الكلمة من تشعّب في الأفكار، والمظاهر العمرانية، والعادات الشعبية، مع ذلك فإنّ الإطار العام الذي ظلّت تنتقل فيه الكاميرا، حافظ على التوازن بين اللقطات، بعيداً عن الارتجال أوّلاً، وبمقاربة أنّ روح المدينة لا في عمارتها فحسب، بل في جدلية عمرانية يكون الإنسان في المركز منها.

ينحاز البرنامج إلى عراقة المدينة بعيداً عن مظاهرها الاستهلاكية

لكنْ أيّة حال عليها المدينة العربية اليوم؟ سؤالٌ تصعب الإجابة عنه دون الالتفات إلى المعيقات التنموية، بل والنظر أيضاً إلى واقِع أنّ مُدناً بأكملها ما زالت تُعاني آثار الحرب أو الاحتلال، الأمر الذي يُهدّد التراث والمباني ويجعلها عُرضة إمّا للتغيير أو حتى للمحو والاندثار، وهذا ما يمكنُ ملاحظته في الحلقات التي زارت فيها الكاميرا بغداد أو غزّة أو القدس.

يبقى التنوّع هو أكثر ما يحرص البرنامج على تقديمه، فأن تنتقل طرابلس اللبنانية إلى مطرح العُمانية، ومنها إلى الخرطوم فالقيروان وصولاً إلى فاس، هذه حقّاً رحلة جغرافية طويلة. ولئِن كان في كلّ مدينة مقدارٌ من الطبقات العمرانية المتراكبة، فإنّ المشهد الكلّي الذي تجتمع فيه كلّ هذه المُدن، يضع المُشاهد على تواصُل مباشر مع البيئة العربية الجامعة، والتي يستشعر من خلالها بهويته ولغته، بما في الأولى من تقارب وما في الثانية من تعدّد. كذلك يبني البرنامج على حالة من الألفة والثقة، فالمُشاهد/ الزائر لا يرى آخرَ/ مُضيفاً، بل غالباً ما يرى تفاصيل حياته اليومية، وإنْ كان جالساً في مأدبا أو صيدا والحلقة عنوانها سوسة أو الإسكندرية.

لا شكّ أنّ عبارة "وسط البلد" أخذت بُعداً مُغايراً في العقود الأخيرة، إذ بدل أن تكون المركز التراثي والحيوي للمدينة، والذي يدلّ على عراقتها وقدرتها على المحافظة على نسيجها العمراني، فإنّ هذه المنطقة باتت مكاناً تتراكم فيه الكافيتريات والأبراج الشاهقة التي لا روح فيها. من هنا يُمكن ملاحظة أنّ ما يلتفت إليه البرنامج في المقام الأول هو الانحياز لتلك العراقة، وإعطاؤها الأولوية ما أمكن.

المساهمون