قلبي يدقّ كأنّه عزف بيانو
والكلماتُ في معاجمي تائهةٌ.
تفترقُ الأجسادُ بصخبٍ أبيض صامتٍ
أمام حياتي تتباهى الخيباتُ في موكبٍ منتظم،
خيباتٌ تهوي من اللانهاية.
حافياً، أكتبُ من القبو
وملاكي الحارس في غرفة الطوارئ.
في الخارج، يتصرّف البشر كمثل الحشرات،
إلّا أنهم يختلفون عنها بشيء وحيد فقط:
رائحة الخمر التي تفوح منهم.
■■■
كيف يمكن للعقل أن يرسم خطوطاً مستقيمة
ويرواغَ تلةَ الصَّلْب،
وسط الأشياء
وبين الجموع؟
في السوقِ يمشي الرجال والنساء
حاملين أكياسهم،
كأنّهم خرجوا من فيلمٍ قديمٍ
حيث يطوفون ويرحلون.
مهاجرون من الشرق يجلسون أمام باب الكنيسة،
يشربون نبيذاً رخيصاً ويتكلمون عن الرّب.
شمسُ الشتاء تداعب شعر الفتيات المُسدل على الأعناق،
والمطرُ، فجأةً، ينزلق بحنانٍ
على الوجوه.
■■■
بقبضة يده المُظلمة
يكسرُ الليل زجاجي.
أقول له لستُ هنا، لكنَّ الليل
يعتقد أنَّ روحي له.
بصخبٍ، ومن دون أضراس،
يضحك الليل مني.
كيف جاءت الصحراء هنا؟
أتكسّر.
كلا، الكثيرُ لم يعد كافياً.
■■■
بلمساتٍ حنونةٍ أرسمُ الخرائط
كي أعثر على كلمة تنقذُني.
أقول لنفسي: ربما أتغلّب على الحمّى
في أحدِّ الأيام.
ولن أتوقف عن البكاء،
لن أتوقّف عن الضحك.
هناك ستُشرقُ.
هناك في العمق.
■■■
عندما يقع المرء في حبِّ شيء مريع،
فإنه يبدأ، حُبّاً، من النهاية.
الثمن مرعب.
تعبرُ السيارات كمثل تنانين في المدينة
القلب والرأس مسكونان بمعانٍ صاخبة.
الدم المكسور يلعب لعبة التخفّي،
وليس ثمة شيء نفعله هذا اليوم
إلا المراوغة،
الذهاب والعودة
في الوقت المحدد
من أجل اقتطاف الوردة تدفع
بالعقل نحو الجنون.
■■■
نشيدي الصمت،
والمسافات وطني.
الشمس، حادةً،
تداعب الكائنات الفرِحة
وتعانقُ البؤساء.
■■■
بصبرٍ
انتظرتُ ساعتي.
أن تنتظرَ هو أن تتركَ الوقت يمرُّ.
تتكوم في القلب الإحباطات المكدّسة،
الإخفاقات،
والإنجازات الفاشلة.
أشعر بالملل من القصص، من الناس
وروتين الحياة الريفي.
يراوغني الواقع ببراعةٍ.
تمر الساعات كمثل الحافلات:
بين الحين والآخر.
■■■
لن أكتب أكثر.
رعشة الصفحةِ تُصيبني بالملل،
دقة القلب عند كل كلمة
المبالغات...
أشعر بحرارة المقهى في الشتاء
وفي رأسي لا أسمع إلا صوت المطر الغزير.
أقول الصمتَ، ولا أطلبُ شيئاً آخر.
هكذا وضعت الحجر الأول لشيء شبيه بمنزل
لا ضجيج فيه،
منزل لا يمكن أن يُسمع فيه حتى صوت الكلمات الممزقة.
■■■
لقد شهدتُ أصواتاً قادمةً من أشياء مختلفة
كانت تلتقي في دوّامة ماء
تصعد للأعلى قبل أن تصل إليّ.
كانت القبلات تكسو الدقائق حين كانت الأضواء تتلألأ
والكلمات تتساقط من الجمل الطويلة.
في أثناء ذلك،
كانت باقات الزهور تذبل في الجرار.
■■■
أنا سعيد بشكل جديٍّ،
لكنني أعاني بشكل منهجي.
أذهب وأجيء من أماكنٍ
تترك فيها الأمواج ضحكات من الزبد.
أترك نفسي أفورُ في أكياس منتهية الصلاحية
في مشروب "الجن"،
مع متدينين وحيواناتٍ وطيور،
مع حليقي الرؤوس، وأمجاد الملاكمة القديمة،
مع ممثلين عاطلين عن العمل،
مع حراسٍ كحوليّين.
العسل ينسكب على رؤوسنا،
دموع الأطفال تخيفُ الوحوش
والثعابين، خلسة، تنزلقُ.
غير أنني سأطير فوق هذا الفراش
سأطير فوق المحيطات والصحراء
سأحلّق فوق كل الأشياء المعطّرة
بكلمات لم تقل بعد.
وداعاً أيتها الأجساد الطاهرة،
وداعاً أيتها الكلمات!
■■■
لا حياةٌ أكثر فراغاً من تلك التي تتغذى على الرغبة.
(أكثر من تلك التي
لا تتحرر من كارثة التعلّم).
ومراقبة الحياة،
وحياة الآخرين
والأشياء، الأخطاء، والفصول
وأحاسيس الجسد
حينما تُعزف الموسيقا.
"صحيح أنني
اشتكيت من الله،
ما أرسله إليّ لا أستحقه أبداً". يقول أغوخيتاس.
حاملاً كنزي
باحثاً كمثل الأعمى في الخفاء،
مستيقظاً، مشيت على منحدر التلال.
فتح لي الظلامُ قنواته،
وتركتُ ورائي ظلّي المحدب ومنخفض الرأس،
رحيق الأرض المحروقة
وآثار شخص سيئ السمعة،
شخص لم يتجرأ على الحياة أو الموت.
* ترجمة عن الإسبانية جعفر العلوني
بطاقة
Ernesto Heredero del Campo شاعر إسباني وُلد في بلد الوليد (1977). درس الفلسفة ثمّ التحق بالسلك الدبلوماسي. رغم بدئه الكتابة والنشر مبكّراً، إلّا أنّه تأخّرَ في نشر الكتب، والقصائد المترجمة هنا هي من ديوانه "تعب" (2017). يُعرّف عن نفسه بمقولة برتراند راسل: "ثلاث عواطف، بسيطة ولكنها بليغة، تحكّمت في حياتي: الشوق إلى الحب، والبحث عن المعرفة ورحمة الإنسان".