استمع إلى الملخص
- يصف الشاعر اللحظات العابرة التي تحمل معاني عميقة، حيث تتداخل مشاعر الخوف والسكينة، وتظهر التناقضات في لحظات من الصمت والضجيج، تاركة آثارًا من القلق.
- يعبر عن الأمل في الغد رغم السخرية والتحديات، متحدثًا عن الغفران والبحث عن الجنة المفقودة، داعيًا للعودة إلى الأرض بعد ضياع مفاتيح الجنة.
في هذه الوسيعة
ما أَخَذَتني شهوةٌ في المسيرِ إلى حيثُ تَمَّحي طُرقات الوجودِ وتَفنى
ولا أرجعتني صيحةٌ
أو جرَّني من ياقةِ ذهابي رَفيق.
لستُ أكثرَ من كائنٍ وظلِّهِ في هذه الوسيعةِ
يذهبُ مثلَ النَّهارِ بلا أنْ يَدفعهُ بِكَفِّهِ أحد
ويأتي مثلَ الليل بلا أن: تعال.
أُغنيةٌ تَنْزِلُ في البال لحالِها،
ومفتاحٌ لعُشّي الصَّغير
بَنيتهُ على شجرةٍ في الخفاء
كي لا أُزعِجَ أحداً
وها أنا أكملُ حياتي بِلا شكوى.
■■■
يُطوى بِخِفَّةِ جَفنٍ
يا لهذهِ اللحظةِ التي يَسقطُ فيها قتيلًا على أرضٍ قَتيلةٍ
وتطلعُ من بين الرُّكامٍ أَنَّةُ حَيٍّ ومُواءُ قِطَّةٍ خائفة.
ما أدراكَ ما اللحظة
هذه التي يَخرُقُ فيها شِهابٌ
صَمتَ بدويٍّ يجتاحُ صحارى فوق رملته الصغيرة،
ويكسرُ غُرابٌ حُلمَ راعٍ عالقٍ في جرَّةِ ماءٍ فارغة،
هذه التي يُغلَقُ فيها بابٌ على إصبعٍ
وتُفتحُ أُخرى لمستعجلٍ إلى حتفٍ أو نجاة.
يا لهذا الآن الذي يُطوى بِخِفَّةِ جَفنٍ،
واحدٌ ينتزعُ جلده الخوف ويَهَبُ عِظامَهُ للهواء
وآخر يَعبرُ الآن بكأسهِ وازدحامِ ليل السكارى برأسهِ.
لحظةٌ يندلقُ فيها عمرٌ من التعب
لحظةٌ يشيخُ فيها الوجود.
■■■
أقولُ غدًا للآلهة والمومياوات
غَسَلتُ هذا المساء بالصَّبرِ وطَرَحْتهُ على النّافذةِ
يَرقَبُ لمعةً في عينِ أملٍ يَتَعَثَّرُ في البعيد،
وتركتهُ تَسْري في تَحَجُّرِهِ رِيحٌ تأتي بالمثاقيلِ من جِهةٍ مُشرِقة،
أقولُ غدًا لا بدَّ من غيمةٍ على هذه المزهريّةِ
ولا بدَّ من أُخرى تقرعُ بقطراتها سقفي على لحنِ برقٍ تُردِّده.
أرجعوهم إلى الأرض، جَنَّتهم ضَيَّعَ الحرسُ مفاتيحَها
لي على هذه الأرضُ نهارٌ تلاحقهُ جوقةٌ جَزّارينَ
وليلٌ يمرُّ خائفًا من الكوابيس تشمُّ رائحته وتتعقّبه،
لي خوفي الصغير على درّاجتي تخاف وحشةَ الانزواء في الحديقة
وقلقي على سيّدتي أسيرةَ صورةٍ في خيالي.
أقولُ غدًا يأخذ المساء مكانه
ويَصِلُني الأملُ بعينين واسعتين ويمشي بكلِّ الأبَّهة.
أقولُ غدًا
والآلهةُ التي تسكن في الطابق الأعلى
تُديرُ على مسائي المطروحِ على النافذةِ، طينها،
فأعود لأغسله.
أقول غدًا... فيسخرُ مني هذا الحشد
من المومياوات المُمَدَّدة جانبي.
■■■
واصلٌ إلينا بآخر الأنفاس
بعدَ قليلٍ
سينقضي اليومَ الذي ناديتهُ من رُكام البارحة:
كُنْ يومَنا المُنتَظَر
لا لطخةَ الوحلِ على ما تَبقّى من بياضٍ أَوْحَلَهُ مَنْ سَبَقوك،
يومنا الذي تسلَّقنا أهوالًا عاليةً كي نُبْصِرَ مَقدمكَ من خِلالها
لكنَّك لم تكن سوى اليوم الذي يشْبهُ أَقرانه الراحلين،
واصلٌ إلينا مُشرَّدًا وثيابُكَ مسلوبةٌ
وفي وجهِكَ جُروحُ حَربٍ ورمادُ مُحرَّقينَ
وبيدِكَ زهرةٌ ناجية،
واصلٌ إلينا بآخر الأنفاس
ولست أنت الذي نريده.
بعد قليلٍ سنُنادي على الغدِ مثلَ كلِّ ليلةٍ
فيُجيبنا الصدى ساخرًا
ويفتحُ البابَ لغدٍ محتال.
■■■
بلا جدوى
على ماذا تنامُ
إذا وسادتكَ قلقُ بركانٍ
وسَريرُكَ جَفْلةُ الطِّفلِ في شُرودهِ؟
هذا تعبُكَ أنتَ وحدكَ،
هذا تماسُكُكَ بلا جدوى
وهذا انهدامُكَ في خشوع.
■■■
في الأرض لا في الجحيم
كنّا نحملُ الغفران على أكتافِنا
وتائهين نبحثُ عن جَنَّةٍ لا دليلَ إليها ولا إشارة
ناسين ما وُعدنا بهِ من فَرْطِ ما أتعبتنا المدينةُ التي جئنا منها.
قال لنا الصوتُ
ينبعثُ في عظامنا الهشَّةِ
ويرتدُّ صداهُ في أجسادِنا الهَباء:
لكم ليلةٌ في الجَّحيمِ
تَسْتَريحونَ في عذاباتِ أعدائِكم
وتنامونَ على صَفيرِ أنفاسِ الذين قتلوكم.
قال مرَّةً أُخرى، كأنَّهُ عقابٌ أشدّ:
أرجعوهم إلى الأرض
جَنَّتهم ضَيَّعَ الحرسُ مفاتيحَها.
* شاعر من العراق