رغم شهرة اسمها في تاريخ الفوتوغراف بالولايات المتحدة والعالم أيضاً، إلّا ان الفنانة الأميركية هيلين ليفيت (1913 – 2009)، ظلّت معروفةً بصوَرها الغنائية الشاعرية لأحياء مدينتها نيويورك وشوارعها، حيث الأطفال المتشرّدين وعوالم الفقر والحرمان، لتُستعاد سيرتُها أخيراً بوصفها ناشطة يسارية ونسوية ارتبطت بالتيّار السوريالي، وتُستعاد أيضاً آراؤها الجرئية حول التجريب ودور الجسد في الفن.
تنقّلت المصوّرة في فضاء محدود يمتّد على الضفة الشرقية من مانهاتن حيث أحياء برونكس وهارلم، ولاحقت بعدستها الفتيان الصغار يلعبون بالقرب من المباني الخالية ومكبّات النفايات والمنحدرات، لكنّ تلك المشاهد جذبتها ودفعتها لتترك الدراسة في المرحلة الثانوية، لتبتاع كاميرا مستعملة وتمضي بجرأة كي ترى الأشياء من حولها بشكل مختلف.
حتى الثالث عشر من شباط/ فبراير المقبل، يتواصل معرض ليفيت تحت عنوان "في الشارع"، وقد افتُتح في "غاليري المصوّرين" بلندن في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ويضمّ أعمالاً تمثّل تجربتها الممتدّة لأكثر من خمسين عاماً.
توجز الفنانة مشوارها الطويل بعبارة واحدة تقول فيها: "كلّ ما يمكنني قوله عن العمل الذي أحاول القيام به، هو أن الجمالية هي في الواقع نفسها"، لذلك يشير المنظّمون إلى أن مصطلح "تصوير الشارع" ظهر قبل أن تلتقط صورها الأولى في بدايات الثلاثينيات، لكنّها لا تزال تمثّل النموذج الأبرز في هذا الإطار، واتبّع أسلوبَها العديدُ من المصوّرين حتى ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
يحمل المعرض عنوان فيلم قصير صامت صوّرته ليفيت بالاشتراك مع وجانيس لوب وجيمس أغي عام 1948، وأُنتج بالأبيض والأسود، ثم صدر بنسخة جديدة بعد أربع سنوات أُضيفت إليها مقاطعُ معزوفة على البيانو للمؤلّف الموسيقي آرثر كلاينر، ويتناول واقع الطبقة العاملة في حي هارلم خلال الثلاثينيات والأربعينيات.
منذ عام 1936، انطلقت الفنانة في توثيق الحياة اليومية لسكّان تلك الأحياء النيويوركية التي احتضنت معظمها عمالاً من أصول لاتينية وأفريقية باستخدام كاميرا "لايكا" مقاس 35 ملم، في أسلوب يجعل تلك الصور أشبه بمشاهد مسرحية، بسبب تركيزها على عناصر غريبة في حياة هؤلاء العمّال وطبيعة علاقتهم بمحيطهم، وهي تعبّر عن مناخات الحرب العالمية الثانية التي خيّمت آثارها على نيويورك، والحالات النفسية والاكتئاب الذي عاشته بعض الشخصيات التي صوّرتها، وغيرها من الأحداث من دون أن تترك تعليقاً واحداً يشير إلى آرائها السياسية والاجتماعية.
وبعد ظهور الصورة الملونة في السبعينيات، عادت ليفيت إلى تصوير العديد من المشاهد التي وثّقتها بالأبيض والأسود، ويلاحظ في هذه المجموعة تطوّر لغتها الفوتوغرافية وعمق الصورة، كما أنها أضافت بُعداً جديداً في التعامل مع أرشيفين للأحياء نفسها تفصل بينهما نحو أربعة عقود.
يضيء المعرض رحلة الفنانة إلى مدينة مكسيكو سنة 1941، وهي المحاولة الفنية الوحيدة لها خارج مدينتها، حيث وثّقت حياة سكّان الأحياء الفقيرة في العاصمة المكسيكية وهُمْ على عتبة تغيير اجتماعي واقتصادي هائل حدث بعد ذلك بفترة قصيرة.