هنري ماتيس.. الفنّان بعد الستّين

11 نوفمبر 2022
"المحادثة" لـ ماتيس (من المعرض)
+ الخط -

في عام 1930، شرَع هنري ماتيس في تنفيذ جدارية ضخمة بعنوان "الرقص"، بناءً على تكليف من المقتني الأميركي ألبرت سي بارنز، حيث بدأ بتجربة طُرُق كان من شأنها تغيير طبيعة فنّه حتى رحيله، عبر استعماله أوراقاً مقصوصة وملوّنة مسبقاً في تركيب خلَق نمطاً جديداً من الأشكال الجريئة.

أتت هذه المرحلة بعد تراجُع تجربة الفنّان الفرنسي (1869 - 1954) الذي كان واحداً من أشهر رموز الحداثة الفنّية الأوروبية، فقرّر مغادرة باريس خلال العشرينيات للإقامة في مدينة نيس، واتّجه نحو رسم بورتريهات نسائية وثيمات أُخرى، إلى أن أحدث تحوُّلاً نوعياً في معالجته اللونية وتقنياته المستخدَمة بعد بلوغه الستّين.

حتى التاسع والعشرين من كانون الثاني/ يناير المقبل، يتواصل في "متحف فيلادلفيا للفنون" بولاية بنسلفانيا الأميركية معرض "ماتيس في الثلاثينيات" الذي افتُتح في التاسع عشر من الشهر الماضي، ويضمّ حوالي مائة وأربعين عملاً.

على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية التي سبقت افتتاحه، لعب معرض الفنان الفرنسي دوراً في إعادة مائة وثمانين من عمّال المتحف الذين شنّوا إضراباً؛ حيث اضطرّت إدارته إلى تحسين الأجور ومزايا العمل، بفعل ضغوطات نقابية من جهة، وبسبب عدم إمكانية التخلّي عن المعرض الذي جرى التخطيط له منذ أكثر من عام، من جهة أُخرى.

وظّف في لوحاته منسوجات زخرفية بعد زيارته لمدن في العالم الإسلامي

يضيء القسم الأول من المعرض الفترة الممتدّة بين عاميْ 1917 و1930 من أجل الوقوف على خصوصية ماتيس من خلال توظيفه المنسوجات الزخرفية وغيرها من عناصر الفن الإسلامي التي اكتشفها في بلدان زارها مثل تونس والجزائر والمغرب ومالي، وظهرت في عدد من لوحاته؛ ومنها "الشقيقات الثلاث" (2017)، و"امرأة في قبّعة" (1927).

يبحث القسم الثاني في تجديد ماتيس لفنّه خلال عقد الثلاثينيات في مشروعين متوازيَين؛ جدارية "الرقص" بأجزائها الثلاثة، والتي يصل ارتفاعها إلى أحد عشر قدماً وتضمّ ستّة راقصين بألوان الرمادي والأزرق والوردي والأسود، وكانت أُول أعماله التي بدأ تصوير مراحل تنفيذها فوتوغرافياً حتى الانتهاء منها عام 1933، كما قدّم في الفترة نفسها كتابه المصوَّر الأول الذي تضمّن تسعة وعشرين نقشاً طباعياً باللون الأسود، بجوار قصائد للشاعر الفرنسي ستيفان مالارميه، نفّذها بشكل بسيط وأنيق مع دقّة في تخطيطاته.

يشتمل المعرض على دراسات قام بها الفنّان قبل وأثناء اشتغاله على جدارية "الرقص" التي تُعدّ تطويراً لعمل قديم يحمل العنوان ذاته ويعود إلى عام 1910، والاسكتشات التي سبقتها واستخدم فيها القلم الرصاص والغواش والزيت، ويقدّمها فيلم قصير يروي كيف اهتدى ماتيس إلى تصميمه النهائي الضخم في مرأب استأجره في مدينة نيس واتّخذه مرسماً.

وينتقل القسم الثالث إلى الرسومات العارية التي قدّمها الفنّان في الثلاثينيات واتّسمت بالجرأة والبدائية، مثل لوحة "عارية مستلقية على ظهرها"، والتي نفّذها بزيت على قماش، مبرزاً امرأة متمدّدة بجانب كرسي ومزهرية، لكنّ تعابير وجهها وجسدها تحمل تأويلات متعدّدة، إلى جانب لوحات أُخرى منها رسومات لعارضات أزياء يرتدين ملابس عصرية، وأعمال تحتوي مرايا ونباتات كبيرة الحجم وديكورات منزلية وزهور، في محاولة لتوضيح مفهوم ماتيس الزخرفي للصورة.

المساهمون