هموم شعرية: مع خالد بن صالح

26 اغسطس 2024
خالد بن صالح (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تأثير العدوان على غزّة:** كتب الشاعر خالد بن صالح نصاً بعنوان "الشهداء يعودون كلّ أسبوع"، يعبر عن الكارثة الإنسانية المستمرة لأكثر من 320 يوماً، ويبرز مقاومة الشعب الفلسطيني وتضحياته.

- **علاقة الشاعر مع القارئ والنشر:** يعتبر خالد بن صالح أن قارئه الأول مجهول، وينشر كتبه مع دور نشر مثل "الاختلاف" و"منشورات المتوسط"، مفضلاً نشر قصائده في مجلات ثقافية أو ككتب ورقية.

- **واقع الشعر العربي:** يعاني الشعر العربي من قلة الجمهور، خاصة قصيدة النثر. يرى الشاعر ضرورة الخروج من أوهام الهوية والأصالة والانتصار للذاكرة الشعرية بتمثّلها وفق متطلبات العصر.

تقف هذه الزاوية مع شاعر عربي في علاقته مع قارئه وخصوصيات صنعته، لا سيما واقع نشر الشعر العربي المعاصر ومقروئيته. "كثيراً ما يتعامل القارئ العربي مع القصيدة تعامُلاً طارئاً، وليس في استمراريتها أو سياقها كمشروع إبداعي"، يقول الشاعر الجزائري خالد بن صالح.



■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظلّ ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- كتبتُ، في بداية العدوان على غزّة، نصّاً طويلاً بعنوان "الشهداء يعودون كلّ أسبوع". تردّدتُ في العنوان الذي هو محاكاة لعنوانٍ للروائي الجزائري الراحل الطاهر وطار "الشهداء يعودون هذا الأسبوع"؛ ذلك أنّ كرونولوجيا الأحداث المُرعبة كانت تُنبئ، في أسبوعها الأوّل، بالكارثة الإنسانية التي تجاوزت الآن 320 يوماً. لم يعُد هناك جوابٌ عن سؤال متى تتوقّف هذه الإبادة؟ ورغم كلّ الألم واللاأمل، فإنّ على حافة كلّ شيء يمكن أنْ يستجدّ كلّ شيء. هناك شعبٌ يقاوم ويضحّي من أجل أرضه وحرّيته، في ظلّ تفكُّك وانهيار الكثير من السرديات والمقولات "الإنسانية"، عربياً وغربياً، والتي لا تنفكّ تخون ذاتها ومبادئها كلّ يوم.


■ من هو قارئك؟ وهل تعتبر نفسك شاعراً مقروءاً؟

- قارئي الأوّل مجهول دائماً، لا أستحضره أثناء الكتابة ولا أفكّر فيه بعدها، لكن تجمعنا لحظةُ اكتشاف فارقة؛ تلك التي يُمسك فيها بكتابي ويقرأ ويغرق قبل أن يمضي به إلى البيت. يحدث أن يكون شخصاً واحداً أو ربّما أكثر. لعلّه الحظّ ما يجعل مثلاً نُسَخ أحد كتبي تنفد في أقلّ من ثلاث سنوات، والأكيد أنّه الحظّ ما يجعل قلّةً قليلة من الأصدقاء، بعد أخي وزوجتي، قرّائي الدائمين ونقّادي الصارمين الذين لا أتردّد في إزعاجهم بقصيدة جديدة، أو كتابٍ جديد لا أعرف إن كان سيجد له قارئاً مجهولاً آخر.


■ كيف هي علاقتك مع الناشر، هل لديك ناشر وهل هو الناشر الذي تحلم به لشعرك؟

- لعلّني كنتُ محظوظاً في علاقتي مع الناشر منذ كتابي الأوّل. أعتقد أنّ النشر هو، قبل كلّ شيء، اتفاق أدبي وفكري وإنساني على الرؤى والتطلّعات. نشرتُ كتابَين مع منشورات "الاختلاف" الجزائرية وكتابَين مع "منشورات المتوسط"، تُرجِم أحدهما إلى الإيطالية. واليوم ليس أوفر حظّاً منِّي كشاعر أن أحظى بناشر كان أوّل من احتضن قصائدي ونصوصي الأُولى، منذ 18 عاماً، وأنشر معه كتبي اليوم ومستقبلاً. يُحيل هذا الكلام إلى صداقتي المديدة مع الروائي السوري زياد عبدالله، مؤسّس ومدير مجلّة، ودار "أوكسجين".


شعبٌ يقاوم ويضحّي في ظلّ انهيار الكثير من المقولات

■ كيف تنظر إلى النشر في المجلّات والجرائد والمواقع؟

- أنا مًقلٌّ في الكتابة الشعرية، وقصائدي لا أنشرها عادةً إلا في مجلّة "أوكسجين" الثقافية كموقع إلكتروني، أو غالباً ككتابٍ ورقي يصدر من دون أن أكون قد نشرتُ منه نصّاً واحداً من قبل. لا أدري لماذا هذا التواري الذي يبدو لي مُحبَّباً ولذيذاً في لعبة الغياب والحضور. ربّما لأنّي أميل إلى قراءة الأدب ورقياً - إن لم تكُن هناك حاجة مُلحّة أو عمل يتطلّب غير ذلك - وأتخيّل تلك المتعة التي أشعر بها حين أقرأ قصيدة تُدهشني أوّل مرّة وأنا أُقلّب صفحات ديوان ما. رغم هذا، لا شكّ أنّ النصّ الجيّد يجد مكانه أينما نُشر، سواء لحظة نشره أو لاحقاً.


■ هل تنشر شعرك على وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف ترى تأثير ذلك في كتابتك أو كتابة زملائك ممن ينشرون شعرهم على وسائل التواصل؟

- قليلاً جدّاً إن لم يكن نادراً. ولكن مع هذه القلّة في النشر على وسائل التواصل الاجتماعي، أشعر أنّ هناك دائماً قارئ خفيّ، يظهر في هكذا لحظات ويفاجئك برأيه في كتابتك أو كتابة شعراء آخرين ينشرون قصائدهم لتُناقَش بحرّية وتختلف حولها الآراء، خصوصاً أنّ هذا الفضاء المفتوح يُمثّل هامشاً يسع كلّ من هُم خارج المتن ومؤسّساته المنغلقة. عدا ذلك، تُسهم هذه المواقع، في الغالب، في تضخيم الأنا أو تحقيرها بكلّ ما هو ليس حقيقياً.


■ من هو قارئ الشعر العربي اليوم في رأيك؟

- قلّةٌ من الشعراء، وقلّة من القرّاء المهتمّين بالشعر أساساً. يكاد يكون الشعر العربي اليوم بلا جمهور، وأتحدّث هنا عن قصيدة النثر بالذات، التي غالباً ما تحيا وتُقاوم خارج المؤسّسة الرسمية التعليمية والإعلامية، لا سيما في الجزائر. هناك صورة نمطية مكرَّسة يصعب تمزيقها بسهولة حول الشعر عموماً، لكنّ الرهان يتعلّق بجدّية المشروع الشعري الذي يفرض ذاته ولو بعد حين. قد يكون هذا الإقصاء واللااهتمام أحد الأسباب الاستثنائية التي تجعل قصيدة النثر بمنأى عن أيِّ شعبوية وانتشار زائف.

نادراً ما تناغمت التجارب العالمية مع ذائقة القارئ العربي

■ هل توافق أنّ الشعر المترجم من اللغات الأخرى هو اليوم أكثر مقروئية من الشعر العربي، ولماذا؟

- لا أظنّ أنّ الشعر المترجَم أكثر مقروئية، فأزمة القراءة لا ترتبط بالشعر دوناً عن غيره، كما أنّ التجارب العالمية لم تتناغم مع الذائقة الكلاسيكية للقارئ العربي إلّا في ما ندر، فيما تدفع الأحداث المتسارعة والأخبار المتتالية وحتى الشائعات القارئ العربي للتعامُل مع القصيدة الشعرية تعامُلاً طارئاً، وليس في استمراريتها أو سياقها كمشروع إبداعي. وعموماً هناك سؤال حول أسبقية المترجَم (مهما كانت جودته) على حساب ما يُكتب عربياً، والسؤال يشمل الرواية أساساً وحتى النصوص الشعرية والنثرية المؤسِّسة في ثقافتنا العربية، إلّا إذا أشاد بها الآخر. هناك خللٌ ما وعقدةُ نقصٍ بحاجة إلى التأمّل.


■ ما هي مزايا الشعر العربي الأساسية وما هي نقاط ضعفه؟

- يحتاج هذا السؤال إلى دراسات ونقاشات واسعة، ولا تليق به الإجابة في أسطر، لكن من وجهة نظر خاصّة، نحن عندما نقول شعراً عربياً، فالحديث هنا عن اللغة، وهي - أي العربية - تمتلك مزايا عديدة تجعلها تستفيد من أدوات الحداثة وتنخرط في مسار التجريب والإبداع والحرّية، بما يجعل القصيدة "العربية" تنطلق من بيئتها ومحلّيتها وهموم الشاعر الذاتية نحو أفق عالمي أوسع. والعكس هو كلُّ ما يقوّض مزايا وإمكانات اللغة نكراناً أو تقديساً.


■ شاعر عربي تعتقد أن من المهم استعادته الآن؟

- الشاعر المتشائم المستبصر أبو العلاء المعري، الآن ودائماً.


■ ما الذي تتمناه للشعر العربي؟

- أن يخرج من أوهام الهوية والأصالة والارتباط العضوي بالماضي... أن ينتصر للذاكرة الشعرية بتمثّلها وإعادة صياغتها وفق متطلّبات العصر... أن يُفكّك الواقع ويُعيد تركيبه من جديد برؤىً تجريبية وإبداعية لا تختلف فيها الهموم الصغيرة لحياتنا عن مآسينا الكبرى. وربّما باختصار أن ينتمي الشعر العربي إلى زمنه الراهن، زمن الانحدار الأعظم نحو الهاوية والمضيّ عبر أقصر طريق إلى الجحيم.



بطاقة

شاعر جزائري من مواليد مدينة بوسعادة عام 1979 يعمل في الصحافة والنشر. صدرت له خمسُ مجموعات شعرية؛ هي: "سعال ملائكة متعبين" (2010)، و"مائة وعشرون متراً عن البيت" (2012)، و"الرقص بأطراف مستعارة" (2016)، و"يوميات رجُل أفريقي يرتدي قميصاً مُزهّراً ويُدخّن L&M في زمن الثورة" (2019)، الذي صدر بالإيطالية العام الماضي بتوقيع المترجمة الإيطالية يولاندة غواردي، و"مرثية الأبطال الخارقين" (2023).

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون