"هستيريا"... ملحمة سيدة ضائعة في نقاط متلاشية

13 أكتوبر 2024
من العرض
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- مسرحية "هستيريا" للمؤلفة والمخرجة الإسبانية كارلا مايمان، تعرض قصة أغوستينا التي تعاني من الألم، وتستكشف علاقتها مع طبيبها الذي يغوص في أعماقها ليكتشف عالماً موازياً يعكس العالم الخارجي بمآسيه وأمراضه.

- المسرحية تعالج موضوع الهستيريا بعيون معاصرة، وتعرض الصدمات والانجرافات العقلية والاكتئاب من خلال ملاحم أغوستينا، مما يفتح آفاقاً للتأمل في مفاهيم "الغزو" المعاصرة.

- تقدم المسرحية تجربة سريالية تمتزج فيها العواطف مع العبثية، وتدعو الجمهور للتنقل بين الفلاسفة والموسيقى والنزعات النسوية، دون تقديم إجابات نهائية.

منذ اللحظة الأُولى التي تُفتح فيها الستارة، سنتعرّف على أغوستينا؛ السيّدة التي يشكّل الألم جزءاً من جسدها وحياتها. أخيراً، تقرّر أن تذهب إلى الطبيب لترى سبب الألم الذي تعاني منه منذ مدة طويلة. الطبيب، مهووساً بالحصول على تشخيص سريري صحيحٍ لألمها، يرى نفسه مضطرّاً للغوص في جسد المريضة. وهناك في أعماقها، داخل جسد أغوستينا، سنشهد نشأة عالم موازٍ تماماً للعالم الخارجي الذي تعيشه. إنه كونٌ متكاملٌ من الأحداث والمضايقات والرغبات والانكسارات المكبوتة منذ مدة طويلة.

هذه هي حبكة مسرحية "هستيريا"، من تأليف وإخراج المسرحيّة الإسبانية كارلا مايمان، والتي تنتهي عروضها على خشبة مسرح "آباديا" في مدريد غداً الاثنين.

من خلال العلاقِة المهنية بين الطبيب وأغوستينا، تحاول مؤلّفة العمل ومخرجته معالجة قضية قديمة، الهستيريا، ولكن بعيون معاصرة، ومن زوايا مختلفة، حيث ترصد هذا المرض النفسي العصابي على خشبة المسرح، وتعرضه من خلاله ملاحم تلك السيّدة الضائعة في نقاط متلاشية: الصدمات، الحب المُغرق أو حطام السفينة الحب، الانجرافات العقلية، الاكتئاب، الهوس، الكبت أو الانزعاج أو حتى النكران.

كيف يمكن أن يحيا إنسان بين جحيمين: جحيم الأعماق، وجحيم العالَم؟

ومن أجل استكشاف كيفية تجلّي الهستيريا في مجتمعات اليوم، تضطرّ المخرجة إلى إدخال جسد الطبيب بجسد مريضته، ليختبرا العبثية نفسها، ويتشاركا الحيرة نفسها، في محاولة تنفُّس سريالية تمتزج مع العواطف، وتدور أحداثها وسط مجموعة التفاصيل التي تكوّن العيادة، وما بينها من حجاب أبيض لغرفة تزيّنها بعض اللوحات المرموقة عن الجنس والجسد.

هكذا، وبعد أن يكتشف الطبيب ذلك العالم الداخلي المشوّه الذي يعكس، بشكل أو بآخر، العالم الخارجي، وما فيه من مآس وإبادات وأمراض وطرق مسدودة، يجد الحضور أنفسهم مضطرّين للتنقّل بين فرويد وماركوس أوريليوس، بين هايدغر وكيركيجارد، بين موسيقى البوب والنزعات النسوية الراديكالية، لدرجة تشتت بشكل مفرط.

المونولوغات الطويلة التي تقوم بها أغوستينا تسخّرها مخرجة العمل من أجل إسقاطاتها على الواقع. كأنّ الهستيريا هي أصل الكون أو أسطورة أصل العالم، وهي ترحال  بين الأزمان وصل إلى رؤوسنا، حيث تجري الأفكار المنطقية والجارفة. عند هذا البرزخ، تقف أغوستينا، ممثّلة الإنسان، ومتموّجة بين عذابات عوالمها الداخلية من عواطف وهموم وتجارب، وعذابات العالم الخارجي: السياسية، العادات الاجتماعية، العائلة، الحروب، القضاء على الذات، المأساة والعبث. 

هل يمكن أن يكون الجحيم في الأعماق الإنسانية؟ وكيف يمكن تحمّل هذه الحقيقة؟ ولماذا لا يستطيع الإنسان أن يعبّر عن مشاعر الداخل أمام من يعيشون في الخارج؟ وكيف يمكن أن يحيا إنسان بين جحيمين: جحيم الأعماق، وجحيم العالم؟ 

لا تقدم مسرحية "هستيريا" إجابات عن هذه الأسئلة، بل تفتح آفاقاً للتأمّل والتفكير في مفاهيم "الغزو" المعاصِرة، وقدرتنا على التحرّر.
 

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون