هان كانغ... كاتبة العنف والصدمة

13 أكتوبر 2024
هان كانغ في "مهرجان إدنبرة الدولي للكتاب" باسكتلندا، آب/ أغسطس 2017 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فازت هان كانغ بجائزة نوبل للأدب، لتصبح أول امرأة آسيوية تحقق هذا الإنجاز، بفضل مشروعها الأدبي الذي يتميز بشعرية مكثفة ويكشف هشاشة الحياة البشرية، مما يسلط الضوء على الأدب الكوري الجنوبي.

- تركز رواياتها مثل "النباتية" و"أفعال بشرية" على العنف والصدمات النفسية، وتستخدم أسلوب سرد غير خطي لاستكشاف تأثير العنف المجتمعي والأسري على الأفراد، مع معالجة مواضيع الهوية والبحث عن الذات.

- تدمج أعمالها مركبات ثقافية كورية، مما يخلق تحديات في الترجمة، وتعكس تأثير الأحداث التاريخية مثل مذبحة غوانغجو، مع خيط من الأمل يمتد عبر صفحاتها.

تفوز الروائية الكورية الجنوبية هان كانغ (1970) بـ"نوبل للأدب" عن مشروعها الأدبي الذي رأت فيه "الأكاديمية السويدية" "شعرية مكثّفة تُواجه الصدمات التاريخية وتكشف عن هشاشة الحياة البشرية"، لتفتح الباب أمام الأدب الكوري الجنوبي الذي لم يأخذ فرصته من الجائزة، ولتكون المرأة الآسيوية الأُولى التي تفوز بها.

تتّسم أعمال صاحبة "النباتية" (2007) بلغة شعرية قاتمة تجمع بين العمق الفلسفي والرمزية المكثّفة، وباستكشاف العنف والصدمات النفسية. العنف، باعتباره موضوعاً أدبياً شائكاً سواء كان جسدياً أم نفسياً، تضيء عليه الكاتبة باستمرار، وتحديداً في كيفية تأثير العنف المجتمعي والأُسري على الأفراد.

تكتب في عملها "الكتاب الأبيض": "كلُّ لحظة هي قفزةٌ إلى الأمام من فوق جرفٍ غير مرئي حيث تتجدّدُ حافَاتُ الزمن باستمرار. نرفع أقدامنا من على الأرض الصلبة للحياة التي عشناها حتى الآن، ونأخذ الخطوة التالية المحفوفة بالمخاطر نحو المجهول، نحو الهواء الفارغ. لا نفعل ذلك كي نثبتَ امتلاكنا لشجاعة من نوع خاصّ، بل لأنّه لا يوجد أمامنا طريق آخر"‏.

تمنح القارئ زاوية جديدة للنظر إلى الصدمة

تمثّل مواضيع مثل العنف والطبيعة الإنسانية حالة أدبية متكرّرة في مجمل أعمال صاحبة "دروس يونانية" (2011)، وتحديداً تلك الزوايا التي تربط الطبيعة البشرية بالأفعال المتطرّفة، ولا سيما في روايتها الأشهر "النباتية"؛ حيث تستكشف فيها العنف الجسدي والنفسي وتأثيره، إلى جانب مواضيع القوّة والسيطرة والتمرّد الشخصي. تولي الكاتبة اهتماماً واضحاً بالجسد البشري بوصفه وسيلة للتعبير عن الهوية والمشاعر، ويرتبط هذا بالعلاقة بين الإنسان والطبيعة، حيث يتجسّد ذلك في اختيار شخصياتها الانسحاب من العالم المادّي والاعتماد على الطبيعة ملاذاً من الواقع.

وبالإضافة إلى انغماسها في تحليل الدوافع البشرية للعنف، تأخذ روايات الكاتبة الحائزة "جائزة مان بوكر الدولية" عام 2016  سيراً غير خطّي لسرد القصّة، تتنقل فيه بين الحاضر والماضي من خلال ذكريات الشخصيات التي تفرد نفسها بوضوح على صفحات الروايات. يمنح هذا الأسلوب القارئ منظوراً أعمق لتطوّر الشخصيات وفهم دوافعها النفسية.
يحضر لديها أيضاً مفهوم الهوية الذي حاولت في كتابها "الكتاب الأبيض" (2016) أن تتناوله من خلال البحث المستمرّ عن الذات والتعافي من الصدمات.

تَظهر الكاتبة الكورية الجنوبية والمسرح منشغلة تماماً في تحليل الأبعاد النفسية للفرد ودوافعه العنفية وميكانزمات التجاوز والتشافي الذاتي للندوب النفسية التي خلّفتها الصدمات، وهي التي كانت شاهدة، من بعيد، على المجزرة التي عاشتها مدينتها غوانغجو عام 1980.

في روايتها "أفعال بشرية" (2014)، تُسلّط الضوء على المذبحة الشهيرة التي راح ضحيتها أكثر من ستمئة شخص بعد الانتفاضة التي قامت احتجاجاً على إطلاق النار على طلّاب "جامعة جيونام" المحلّية والاعتداء عليهم بالضرب في هجوم غير مسبوق من القوّات الحكومية، وهي أحداث تاريخية تركت أثراً عميقاً في المجتمع الكوري. تعالج الرواية آثار العنف السياسي. وهي الرواية التي أخذت مواضيع مثل الحزن، وعقدة الذنب عند الناجين، وانعدام الإنسانية تجاه الآخر، في النطاق الشخصي والحميمي بطريقة تصويرية رسومية تمنح القارئ بعداً آخر وزاوية جديدة للنظر إلى الصدمة يمتدّ في سمائه خيطٌ من الأمل يمسك الرواية من أوّلها إلى آخرها بالرغم من طبقات الحزن والصدمة المخيّمة على الصفحات.

تقول في "الكتاب الأبيض": "إذا غربلت هذه الكلمات في داخلي، فإنّ الجمل سترتجف، مثل الصرخة الغريبة الحزينة التي يطلقها القوس من خيط معدني. هل يُمكنني أن أسمح لنفسي بالاختباء بين هذه الجمل، محجوبة بشاش أبيض؟".

ولعلّ المتتبّع لأبرز أعمالها سيلحظ إدخالها الكثير من المركبات الثقافية والشعبية في المجتمع الكوري، الأمر الذي خلق إرباكاً لدى مجتمع المترجمين، وتظهر في هذا السياق كلمة مثل "Hon" أو "هون"، التي لا يوجد لها مرادف في اللغة الإنكليزية. تقول مترجمتها الإنكليزية ديبورا سميث: "إذا بحثت عن هذه المفردة في القاموس، فسوف تجد أنها تُترجم إلى الروح، لكنّني استخدمت الظلّ أو الروح الذاتية، لأنّه لا يمكن استخدام كلمة الروح في اللغة الإنكليزية من دون استحضار السياق المسيحي. ويصل هذا المفهوم إلى النقطة التي تتحوّل فيها الترجمة إلى الفلسفة الثقافية، إلى أن خلصت إلى ترجمته على أنه شيء مرتبط بالروحانية أو الشامانية، أي إنه الجزء منك الذي يمكن أن يظلّ حياً بعد موتك، رغم أنّه لا يحمل أي معنى ديني. منذ أن كنت طفلة كنت أتخيّله على أنه شيء ناعم ونقي".

وفي هذا السياق ترى صاحبة "لا نفترق" (2021) الترجمة باعتبارها: "نشاطاً إنسانياً مثيراً للاهتمام إلى حدّ كبير. تقول: أنا أشكّل السمة الأولية لشيء ما، ولكن لكي يصل إلى الشكل النهائي، فإنه يحتاج إلى أن يخسر كلّ ما خلقته وأن يولد من جديد".


* كاتب من فلسطين

المساهمون