على الرغم من "غربة" مبنى "نزل البحيرة" عن محيطه في تونس العاصمة، فقد مثّل لعقود أحد أبرز العلامات البصرية المميّزة للمدينة، وهو من الاستثناءات القليلة التي تخرج عن الوجوه المعمارية الثلاثة السائدة؛ المعمار الفرنسي الكولونيالي والعمارة العربية التراثية إلى جانب العمارات الحديثة المحيطة به.
منذ سحب البُعد الوظيفي لـ"نزل البحيرة" كفضاء سياحي مع بدايات القرن الجاري بدأ حضور هذا المعلم يخفت في حياة المدينة لكنه لم يغب عن المخيّلة الجماعية، وها هو كل إعلان عن نيّة هدمه يثير من حين إلى آخر موجات من الاحتجاج من المجتمع المدني ومن المعماريين والفنانين، وهو ما حدث مجدّداً منذ أيام حين تداولت وسائل إعلام محلية نية بلدية تونس العاصمة التصريح بهدم المبنى الذي بات اليوم في ملكية شركة أجنبية.
يجد خيار الهدم مستندَه في تغيّر تصوّر المنطقة التي ينتمي لها "نزل البحيرة" فالعقود الثلاثة الأخيرة قد جعلت من الشارع الذي ينتمي له المبنى؛ شارع محمد الخامس، حاضنة للبنوك والفضاءات الكبرى مثل قصر المؤتمرات ومدينة الثقافة وعدد من الجامعات، وهي مبان نفعية يبدو المعلم السياحي دخيلاً عليها، ولا يخفى هنا أن القيمة العقارية للأرض التي يحتلها المبنى قد تضاعفت بشكل لافت خلال عقود ناهيك عن أن توقّف العمل في الفندق لسنوات قد جعل من العسير إعادة استصلاح المبنى ليقوم بنفس أدواره السابقة.
يحمل بعداً فنياً اجتهادياً يغيب عن معظم المباني التي تحاذيه
من الزاوية المقابلة، يقيم المحتجّون على نيّة هدم "نزل البحيرة" حججهم على القيمة الرمزية للمبنى، من ذلك إشارة الكثير من المعماريين إلى أن فرادة المبنى لا تتأتى فقط من جماليته الهندسية وهو الذي يأتي على هيئة مركب بحري ضخم يحاذي بحيرة تونس، بل أساساً لأنه يمثّل نموذجاً نادراً في المنطقة العربية لما يعرف في تاريخ العمارة الحديثة بتيار "البروتاليزم"، والذي نجد تذبذباً في نقله كمصطلح إلى العربية فيسمّى مرة بالمدرسة الخمومية ومرّات بالعمارة القاسية أو الوحشية.
كما تستند فئة أخرى من المحتجين إلى رمزية مبنى تعوّدت عليه عين ساكنة العاصمة التونسية فهو جزء لا يتجزّأ من المشهد العمراني المميّز لمدينتهم، كما أنه يحمل بعداً فنياً اجتهادياً لا نجده إلا نادراً في الجزء الحديث من المدينة.
يُذكر أن "نزل البحيرة" قد أنشئ بين عامي 1970 و1974 تحت إشراف المهندس المعماري الإيطالي رافييلي كونتيجياني (1920 - 2008)، وكان تعبيراً عن دخول تونس في مرحلة من الرهان على السياحة، ورغم أن الدولة ذهبت بهذا الرهان إلى مدى أوسع؛ إلا أن توجيه الاستثمارات السياحية سرعان ما اتجه إلى مناطق أخرى مثل القنطاوي والحمامات وجربة وضاحية سيدي بوسعيد، حيث إن عوامل كثيرة أخذت تهجّر الاستثمار السياحي من وسط تونس العاصمة مثل الاكتظاظ المروري وترييف المدينة وصعوبة السيطرة الأمنية على مجال مختلف ذي كثافة سكانية عالية. لسنوات، كان "نزل البحيرة" يدفع فاتورة كل هذه العوامل ليجد نفسه بالتدريج معزولاً ثم مهدداً بالهدم.