إذا ما استثنينا بعض الدول العربية ذات الأنظمة الاستبدادية والشمولية، يكاد اليوم أن يكون الحديث عن الرقابة الأدبية في الدول الديمقراطية شبه سريالي. ولكن يبدو أنَّ الدول التي تدّعي "الحرية والديمقراطية" تُمارس رقابة أبشع. فقد أفادت قناة "بي بي سي" أنّ المؤسسات التعليمية والأدبية في الولايات المتحدة، تُمارس رقابةً صارمةً على قائمة من الكتب المختلفة، يصعبُ الحصول عليها في مكتبات المدارس والمكتبات العامة.
ووفقاً لتقرير القناة الذي صدر مؤخراً، فإنَّ الرقابة تكون أكثر أو أقل صرامةً تبعاً للولاية. ففي ولاية تكساس، على سبيل المثال، حظرت السلطات التعليمية في العام 2021 العديد من الكتب الثقافية في المكتبات، زاعمةً أنَّ الكثير من الآباء اشتكوا من محتواها. هنا، تحديداً، بدأت قصة كلٍّ من إيلا سكوت وأليسا هوي، وهما شابتان قرّرتا تحدّي هذا القرار والدفاع عن حقّهما في حرية اختيار القراءة، لا سيّما عندما شعرتا بخطر ما يحدث في بلد "يصدّر" إلى العالم ثقافة الحرية والديمقراطية، على حدّ تعبيرهما.
هكذا، أوّل ما خطرَ في بالهما كان تأسيس نادٍ لقراءة الكتب الممنوعة رقابياً. وبفضل هذه المبادرة الأولى، أعلنت مجموعات شبابية أُخرى عن إنشاء نوادٍ مماثلة في العديد من الولايات الأميركية، حيث أكّدت أنَّ مثل هذه الخطوة من شأنها توعية جيل الشباب لمثل هذا الخطر وما يمثّله من خرقٍ واضحٍ لأبسط حقٍّ يجب أن يتمتّع به الإنسان ألا وهو حرية القراءة.
تنوّعت موضوعات الكتب الممنوعة بين الدينية والسياسية
وسرعان ما لقيت فكرة نوادي القراءة جماهيرية واسعة، خصوصاً بين جيل الشباب، حيث تحوّلت إلى منابر يتناقشون فيها حول الكتب والقراءة والقضايا الراهنة التي تؤثِّر على المجتمع الأميركي. ووفقاً لما أشارت إليه كلٌّ من إيلا سكوت وأليسا هوي، فإنَّ ولاية تكساس كانت من أكثر الولايات التي عانت من رقابة الكتب، حيث مُنِعَ فيها ما يقرب من 800 كتاباً، أمّا ولاية فلوريدا فقد كان رصيدها 566 كتاباً، وولاية بنسيلفانيا 457 كتاباً.
وتنوّعت موضوعات الكتب الممنوعة بين الدينية والسياسية والجنسية وروايات السيرة الذاتية، لكن أكثر الكتب التي نالت منها الرقابة هي تلك التي تتناول مسألة العنصرية في الولايات المتحدة الأميركية، تماماً كما هو الحال مع رواية "أن تقتل عصفوراً بريئاً" (1960)، للكاتبة الأميركية هاربر لي (1926 - 2016)، والتي تعالج فيها قضية التفرقة العنصرية التي عاصرتها في طفولتها بمونروفيل، في ولاية ألاباما.
"ما نريديه هو أن يُسمعَ صوتنا حقاً. من الغريب في بلد مثل الولايات المتحدة أن تتم مثل هذه التصرفات. نحن لا نريد أن نجبر أي شخص على قراءة كتاب، لكنّنا بالمقابل لا نقبل أن يمنعونا من قراءة ما نرغبه"، تعلّق الشابتان.