نهلة عبدو: نقض التعريفات الصهيونية والغربية للقضية الفلسطينية

28 أكتوبر 2024
من معرض "إسكات صوت المؤسّسة التعليمية" المُقام حالياً في "جامعة كارلتون" بأوتاوا
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تؤكد نهلة عبدو على أن نكبة فلسطين هي إبادة مستمرة منذ عام 1948، مشيرةً إلى أهمية السياق التاريخي لفهم التجربة الفلسطينية من الاستعمار البريطاني إلى الصهيوني.
- تقارن عبدو بين الاستعمار في فلسطين وتجربة السكان الأصليين في شمال أميركا، منتقدةً تعريف النكبة بالتطهير العرقي ومؤكدةً على أن الفلسطينيين هم جوهر هوية الأرض.
- ترفض عبدو التعاطف الاستعلائي وتعتبر محاولات تهميش الأصوات الفلسطينية جزءًا من المنظومة الغربية العنصرية، ملهمةً الطلاب المؤمنين بعدالة القضية الفلسطينية.

ما فتئت الناشطة الفلسطينية وأستاذة علم الاجتماع في "جامعة كارلتون" في أوتاوا، نهلة عبدو، تُعرّف نكبة فلسطين في كتاباتها ومحاضراتها بالإبادة، مُشدّدةً على أهمّية السياق التاريخي وإدراك التجربة التي خاضها الشعب الفلسطيني منذ الاستعمار البريطاني حتى الاستعمار الاستيطاني الصهيوني.

في كلمة ألقتها مؤخّراً على هامش معرض "إسكات صوت المؤسّسة التعليمية" Silenced by Scholasticide، المُقام حالياً في "جامعة كارلتون" في العاصمة الكندية، ويتواصل حتى الثلاثين من تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري بتنظيم من مجموعة طلّابية، أكّدت عبدو أنّ حرب الإبادة على غزّة امتدادٌ للنكبة التي لم تتوقف منذ عام 1948، وأنّ التعامل مع نكبة الفلسطين على أنها حدثٌ من الماضي ليس خطأً في قراءة وفهم التاريخ فحسب، بل هو نتاج منظومة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني وتكريس سردية الإمبريالية الغربية التي تسعى إلى محو الذاكرة والهوية الفلسطينية.

أوضحت عبدو أنّ قراءة وتحليل أحداث النكبة على أنّها "صراع بين شعبين" هو تماهٍ مع السردية الصهيونية القائلة بأنّ الشعب العربي الفلسطيني خسر معركة خاضها بمساندة عدّة جيوش عربية، وانتهى مسارُها بخروج أكثر من 750 ألف فلسطيني من حدود فلسطين التاريخية (مع التحفّظ الكامل على حدود سايكس بيكو). هذه القراءة القائمة على منظور أوروبي صهيوني تُلغي أحقيّة الإنسان الفلسطيني العربي في سرد تاريخه الممتدّ والمتربط بالمكان، وتعريف هويته وثقافته التي تشهد لها الأراضي المحتلّة وآثارها وتاريخها المدوّن والمحكي.

نهلة عبدو
نهلة عبدو

كانت نهلة عبدو، قد حلّلت، في دراسة لها بعنوان "استثناء فلسطين ما بين العنصرية والإخفاء: من فلسطين المحتلّة إلى جزيرة السلحفاة"، تقاطعات الاستعمار الاستيطاني بين تجربتَي السكّان الأصليّين في شمال أميركا (جزيرة السلحفاة) والشعب الفلسطيني الذي يستمرّ في المقاومة على عدّة مستويات: الاحتلال، والهوية، والتهجير.

وعلى الرغم من تشابه آليات إقصاء وإبادة الشعوب الأصلية في فلسطين وجزيرة السلحفاة، ونضال الشعوب الذي يتجدّد ويُتوارثَ من جيل إلى جيل، فإنّ من الأهمّية بمكان، حسب عبدو، فهم حالة الشعب الفلسطيني الذي يعيش الإبادة مقسَّماً بين فلسطينيّي "الداخل" وفلسطينيّي القدس والضفّة والقطاع، ناهيك عن الشتات الفلسطيني في كلّ أنحاء العالم، معتبرةً أنّ إلغاء الوجود الفلسطيني يأخذ أشكالاً عدّة، تتراوح من القتل والتعذيب والتهجير إلى القمع والإسكات ومحاربة لقمة العيش؛ فكلّ ما هو فلسطيني محارَب ضمن أُطر المنظومة الغربية.

تتصدّى عبود للتعريف السائد للنكبة في كثير من وسائل الإعلام والدراسات الأكاديمية، بوصفها "الكارثة". ومع تصاعُد عمليات الجيش الإسرائيلي في حرب الإبادة على غزّة، والتهجير القسري لسكّان شمال القطاع، ازداد استخدام مصطلح جريمة التطهير العرقي، والإشارة إلى كتاب المؤرّخ إيلان بابيه "التطهير العرقي في فلسطين". ففي هذا الكتاب، يعرّف بابيه النكبة بالتطهير العرقي، مُستنداً إلى دراسة دريزن بيتروفيش عن التطهير العرقي، وتعريف "موسوعة هاتشينسون" للمصطلح. ولأنّ التطهير العرقي عملية ممنهجة تهدف إلى طرد مجموعة من الناس من أرض ما بالقوّة لخلق حيّز جغرافي متناسق عرقياً مع سياسات المجموعة الأقوى (الطاردة)، يصف بابيه أحداث النكبة والخطّة الإسرائيلية "دالت" بالتطهير العرقي لفلسطين.

رفض أيّ تعاطف يفرض رؤيته الاستعلائية على الشعب الفلسطيني

تنتقد عبدو تعريف بابيه بما يحتويه من إشكالية لقراءة الهوية الفلسطينية من جانب، ولتماهيه مع المنظور الأوروبي المركزي والصهيوني في تعريف الشعوب من جانب آخر. كما ترفض تعريف الفلسطينيّين بالمجموعة الإثنية - العرقية، إذ ترى أنّ الإثنية تعريف لمجموعة مهاجرة أو أقلّية شكّلت مجتمعها أو استوطنت خارج موطنها الأُم. فلا يمكن لمجموعة أن تكون إثنية في موطنها. والفلسطينيون هُم شعب أرض فلسطين ولبنة طينتها وجوهر هويتها وذاكرتها، بينما المستوطنون الذي نزحوا إلى فلسطين من مختلف الجماعات الإثنية هُم من ينطبق عليهم هذا التعريف.

من هنا تُصرّ نهلة عبدو على تعريف النكبة بالإبادة، مؤكّدةً ضرورة مواجهة السرديات والآراء التي تُخفّف أو تُقلّل من حجم النكبة وعذابات الفلسطينيّين المتواصلة، رافضةً أيّ تعاطف يفرض رؤيته الاستعلائية على الشعب الفلسطيني.

وتستطرد عبدو، في دراستها، بالإشارة إلى خطوط تقاطعات الاستعمار الاستيطاني في تعامله مع السكّان الأصليّين. ففي حالة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، لم يكن تشويه ومحو عروبة فلسطين كافياً بالنسبة إليه، بل كان لا بدَّ أيضاً من إلغاء كلّ ذاكرة وهوية يهودية مختلفة عن المنظور الصهيوني الأوروبي، وذلك بغية بناء مجتمع استيطاني متماسك ضمنياً. ضمن هذا المعنى، تكتسب كلمات المؤرّخ اليهودي العراقي أفي شلايم أهمّية كبيرة؛ حيث يقول في مذكّراته: "إنّ الأوربيّين اتّبعوا آلية الإلغاء الممنهج لكلّ ما هو عربي لتكريس وتشييد السردية الصهيونية وإنشاء منظور أوروبي شمولي في الأراضي المحتلّة".

لا شك أنّ ما يحدث اليوم من محاولة لإخفاء أحداث النكبة وتهميش الأصوات الفلسطينية في وسائل الإعلام الغربية، وإعادة إنتاج سردية تتوافق مع السردية الصهيونية، ليس أمراً اعتباطياً أو جهلاً بالتاريخ ومسار الأحداث، بل هو عملية متجذّرة في بنى المنظومة الغربية التي تعمل على تقديم مصالحها وترسيخ منظورها العنصري وطمس الأصوات الحرّة. نهلة عبدو من بين تلك الأصوات التي تصدح عالياً، ولا تزال ثابتة في مواقفها في مواجهة المضايقات والتهديدات المتواصلة، لتُلهم بذلك الكثيرين من الطلّاب المؤمنين بأحقية وعدالة القضية الفلسطينية.


* شاعر وصحافي من السعودية

المساهمون