في عام 2018، شهدت مجلّة "نظرات" انطلاقتها الفعلية، حيث تحوّلت من منشورٍ سنويّ يكتبه أساتذةُ وتلامذةُ "معهد الدراسات المسرحيّة والسمعيّة المرئيّة والسينمائيّة" في "جامعة القدّيس يوسف" ببيروت، ويُوَزَّع داخل الجامعة فقط، إلى مجلّة نصف سنوية تُديرها هيئة عِلمية وينشر فيها باحثون من خارج لبنان ومن داخله، من المهتمّين بالفنون البصرية والأدائية في العالَم العربي وفي حوض المتوسّط.
خلال هذه السنوات القليلة، خصّص القائمون على المجلّة ــ التي تصدر بالفرنسية، وتضمّ أيضاً مقالاتٍ بالإنكليزية أو العربية ــ أعدادَها للبحث في قضايا عديدة ضمن المشهد الفنّي العربي، من النظريات الجمالية والفنية حول الجسد إلى ثقافة اقتباس الروايات في السينما المصرية، مروراً بأحوال سينما النضال السياسي وحضور البُعد الروحاني في فنون ما بعد انهيار الدولة العثمانية، على سبيل المثال.
قبل أيام، صدر العدد الجديد (29) من المجلّة المعنيّة بالفنّ، حيث أشرفت الباحثة نجلاء نخلة سيروتي على ملفّه المخَصّص للمسرح العربي، والذي يطرح سؤالاً محورياً تُحاول مجموعةٌ من الأوراق البحثية الإجابة عنه: "أيُّ مستقبل للمسرح في العالَم العربي؟".
في تقديمها، تستحضر نخلة سيروتي "الصعوبات العديدة، والمختلفة في طبيعتها"، التي تواجه الاشتغال المسرحيّ العربي، والتي تزيد من "طابع المسرح العابر في الأساس". مسرحٌ ينبني، كما تقول، على هذه الهشاشة التي هي جزءٌ منه، إذ "لا وجود له إلّا في اللحظة العابرة التي يُقدَّم فيها العرض، أي تلك التي يجتمع فيها الممثلّون على الخشبة مع الجمهور الحاضرة في الصالة".
وتلحظ الباحثة ــ التي نشرت قبل أشهر كتاباً بالفرنسية حول المسرح الفلسطيني بين عامَي 2006 و2016 ــ أن قلّة الاهتمام والدعم للفنون المسرحية في العالَم العربي لم تحل دون حراكٍ مسرحيّ مستمرّ، إذ المُفارقة تكمن في أن المشتغلين في المسرح استطاعوا أن يتأقلموا مع هذه الظروف وأن يجدّدوا في أعمالهم، وأن يغيّروا طريقة شغلهم رغم كلّ المعوّقات، وذلك من "أجل البقاء".
يضمّ العدد مجموعة من الأوراق التي كتبها مسرحيون ونقّاد وأكاديميون مختصّون بالمسرح العربي، مثل محفوظ كيسيل الذي ينشر ورقةً حول حضور "موليير لدى صانعي المسرح في عصر النهضة ولدى الطيّب الصدّيقي"، في حين تتناول لارا مروّة في ورقتها نضال عددٍ من الفنانين اللبنانيين المقيمين خارج البلد في سبيل تطوير المشهد الفنّي في لبنان والمحافظة على تاريخه من الضياع.
أمّا المسرحي السوري عبد الله الكفري، فيعود في ورقته ــ وهي الورقة الوحيدة المنشورة باللغة العربية في العدد ــ إلى مسألة تمويل الفنون الأدائية المستقلّة عربياً، بوصفها "عنصراً جوهرياً في حضور مشهد فنون الأداء المستقلّ خلال الأعوام العشرين الفائتة"، حيث يبحث في هذا التاريخ القريب وفي سياسات وطبيعة المؤسّسات وصناديق الدعم التي تقدّم منحاً وتمويلاً للمشتغلين في الفنون البصرية.
ويشير الكفري إلى أن محدودية هذا الدعم دعت الكثير من الفنانين إلى تعديل أعمالهم لتتأقلم مع المبالغ القليلة المقدَّمة، وهو ما يشرح مثلاً طغيان العروض ذات الشخصيات القليلة، وذات الخفّة في تصميماتها السينوغرافية، على قوائم العروض المستفيدة من هذه المنح.
وتتوقّف الباحثة أستريد شبرط كجدان عند مسألة غير بعيدة، في ورقتها التي تحمل عنوان: "أن تتعاون كي تبقى موجوداً: الشراكات المسرحية مع أوروبا أو الاستراتيجية الاضطرارية للمسارح في فلسطين"، حيث تُشير إلى التزايد المستمرّ لهذا النوع من الشراكات منذ اتفاقية أوسلو عام 1993، وهي تبحث في دور الدعم الأوروبي وفي تأثيره على أحوال المسرح الفلسطيني وديمومة مؤسّساته.
يشمل العدد، أيضاً، مقالاً لأسماء هادي النايري حول المسرح بوصفه وسيلةً للانتماء لدى عددٍ من الفنانين والهواة السوريين النازحين في تركيا، إلى جانب مقابلة لجورجينا أيوب مع المخرج اللبناني روجيه عسّاف، وعددٍ من الشهادات التي يضعها مشتغلون في المسرح وفي فرق ومؤسسات مسرحية لبنانية على وجه الخصوص، مثل كريستيل خضر، وعمر أبي عازار. ويُختَتم العدد ببحث لبولين دونيزو في الحضور العربي ضمن النسخة الأخيرة (2022) من "مهرجان أفينيون" المسرحي في جنوب فرنسا.