- يتناول موضوع التسويف بأسلوب شعري، مشيرًا إلى الأحلام المؤجلة والآمال، ويصور الشاعر نفسه كفاعل يتحدى الزمن ويخلق مستقبلاً مليئًا بالأمل.
- يختتم بصورة عمود الدخان كرمز للنهاية والتحول، موضحًا أن الحياة والموت مترابطان وأن الإنسان يترك بصمته حتى في أعتاب الموت، مستشرفًا الغموض الذي يحيط بالوجود والنهايات.
متلازمة
على رأسٍ هذا الزمنِ
أجلسُ
وسط مخاضٍ
لأكتبَ شيفرةً
بين الوجودِ وفِكرَةِ الوجودِ
سيلدُ النصُّ أرواحًا
تُضرمُ النيرانَ
ستصرخُ كلمتي
وينتفخُ وريدُها الجبهيُّ
لن أُغنّيَ للعاصفةِ
ولن أُهدِيَ قصائدَ أخرى
لِدَعَساتِ الدَّهرِ
الليْلُ وحدَهُ قِيامَةُ الشاعِرِ
ضوضاءُ الفكرةِ تركُلُ جدارَ الرحمِ
والقابلاتُ مستعدّاتٌ
لاستقبالِ
متلازمةِ الاحتراق
الوجودُ أخُ الانفجارِ،
والموتُ سيرجعُ إلى أُمِّهِ
مقطوعَ الرأسِ.
■■■
تسويف
تلزمُني منفضةٌ
كلما دخَّنتني الأيامُ
أنفضُ هنالك
قبيلةً من الأحلامِ،
وقطيعًا من الآمال المؤجَّلَةْ
وكلمَّا انفضَّ العالمُ من حولي
أفتح بابًا في حائطٍ
في الريحِ
وأمهِّدُ لخطواتِيَ المُقبلةْ:
سأضع رباطًا بين ما أرى
وما رأيتُ
سأجعل نصلَ مقصلةٍ
فوق رقبة الوقتِ
ومِخْيَطًا في عين العالَمِ
سأصنعُ ضفائِرَ من نهاياتِ شَعر جدَّتِي
وأزرعُ حديقةً في كَفَّيْها
وأَبني أعشاشًا
لعصافير المستقبل
سألقِمُ كتابًا ليد طفليَ الصغيرِ
الذي لم يولَد بعدُ،
وقصيدةً لشحمةِ أُذُنِ أمِّهِ
ولكي يتوهَّمَ جارِيَ الوحيدُ أنهُ حيٌّ،
سأُلقي جريدةً على عَتَبَةِ بابِهِ
وحُزمةً
مِنَ الأُنسِ
على مقبض الباب
سأزرع مِجسًّا للعواصفِ داخل قلبِيَ
وخِيامًا
للناجينَ المُحتَمَلين
سأرمي قلنسوةً سوداءَ
على رأسِ المستقبلِ
حتى لا يرى أحدٌ
وجههُ الأدهمَ
سأضَعُ نافذةً في وجهِ البحرِ
ليتخفَّفَ الغرقى من أجسادِهمْ،
ولِيَسرقَ المَوْتُ نظرةً
للمتأمّلِ الوحيدِ
هذا المساء
سأضعُ راديو على باب المقبرةِ
ليظُنَّ المارَّةُ
أن الموتى يحيَوْنَ بطريقةٍ أخرى
بعيدًا
عن ضجيج هذا العالَم.
■■■
عمود دخان
ولأنه استطاعَ، بعدَ ألفِ عامٍ، الرؤيةَ في الظلام، لا يزال غير قادر على إشعال المصابيح، كل ما له فعلهُ؛ إضرامُ نارٍ في هذا الوجود. الذي اجتازَ المَشيَ على الجَمرِ يجب أن ينتبهَ للموتِ إذ تُملَأُ به الأجوافُ. كلُّ شيءٍ قابلٌ للأُلفَةِ حتّى الحياةُ، والجزْرُ ليس إلّا طقسًا من طقوسِ جَوازِها. حينما سيمضي، لن تحمِلَهُ خطواتٌ بل للظُلُماتِ أن تَزُفَّهُ إلى غابةِ الأشباحِ الطالعة من مخابئِها.
حينما سيمضي
لن يَدُلَّهُم
عليهِ
سوى
عمودِ دخان
سيتصاعَدُ
من رأسه!
■■■
نَزعَة
مُستَنزِفًا زادَهُ
واقفًا على شاطئ رّغبةٍ
والبحرُ الفظيعُ
يحملق في وجهه
طامعًا في نشل
ما تبقى في روحه من عمق
كجثَّةِ الموؤودَةِ إذ تُسمِعُ العالَمَ بكل مكبّرات الصوتِ
صرختَها!
واقفٌ
بعد ستٍّ وعشرينَ نجاةٍ
من اللونِ الأَسوَدِ
واقفٌ
وتمشي عيناهُ جيئةً وذهابًا
أمامَ زرقةٍ تشبههُ ذاتَ حُلُمٍ،
ذاتَ عُمقٍ دَفينٍ بصدًى يتمدَّدُ
داخل أغوارٍ سُحِقَتْ
بظلالِ الزمنِ
داخل أسوارٍ هُدِمَتْ
بيد العقود الأولى..
مَدٌّ يشتعلُ في دمهِ
صَدٌّ يشتَدُّ صاعدًا من أخمصِ القدمينِ
فاتحًا أبوابَ وحوش الليلِ الخفيّة
وهذه الصورةُ لامرئيَّةٌ
مرثيَّةٌ
يصوغُها
ذاتَ غفوةٍ
ذاتَ سقطةٍ
في جوفِ النّهار
واقفٌ
وتتدلّى يداهُ خلفَهُ
كفستانِ عروسٍ
لا يرى النزعةَ في مُقلةِ البحرِ
ولا أنيابَ الصَّخرِ في القاع
بينهُ وبين الإقدامِ زفرةٌ
لا نجمةٌ في الأعالي،
أَبحِرْ ترى حوريةَ الأرضِ والسماء
في وجهِ الرملِ
أمامَ مرآةِ الغَرقْ
أَبحِر فلا نجاةَ أُخرى في انتظارك
سوى حفلةِ ميلادٍ أخيرٍ
على الضفَّةِ الأخرى!
* شاعر من المغرب