"نزهة في الطبيعة" لفاطمة الحاج.. كلمةٌ تفتحُ أبواب الانطباعية

07 مارس 2023
(من المعرض)
+ الخط -

عندما يضع الفنّان مفردة الطبيعة في عنوان معرضه، تُصبح هذه الكلمة مسؤولة عن تشكيل إطارٍ محدّد ستشتغل اللوحة فيه. وإنْ كانت هذه المفردة تعِد بوفرة لونية مأخوذة من مُحيط غني وأصلي، فإنّ أسئلةً، في المقابل، ستَظهر سريعاً لتُفتّش في الأسلوب والتقنية التي من خلالها سيعالج الفنان موضوعته؛ وذلك بحكم أنّ الطبيعة شديدة التلازُم ومتكرّرة التمثيل، لدى تيارات فنّية مختلفة.

"نزهة في الطبيعة" عنوان المعرض الذي توقّع لوحاته التشكيلية اللبنانية فاطمة الحاج (1953) في "غاليري مارك هاشم" ببيروت، ويتواصل حتى مساء هذا اليوم. تقدّم الفنانة مقاربة انطباعية لافتة، حيث الاستغراق اللوني يؤكّد أصلانية المشهد بعناصره جميعها، من الأشجار والأعشاب التي هي في حالة فيض يتأسّس على الدُّكنة، وصولاً إلى ذروة الأغصان والأوراق المتلاقية بخط الأفق السماوي. وبهذا لا تغدو المفردة (أي الطبيعة) إطاراً شكلياً، بقدر ما تقول البديهي والأولي على مستوى النظر.

استوحت أجواء لوحاتها من قصائد الشاعر الصوفي نظامي الكنجوي

لكنْ، ماذا بعد العودة إلى ذلك الحدّ الأوّلي، خاصّة أنّ عملية التلقّي أو قراءة الموجة اللونية الانطباعية، تتحرّك ببطء هي الأُخرى، مثلها مثل عملية "التنزّه"، والتي ينطلق منها العنوان قبل أيّ شيء آخر؟ هنا لا إجابة واضحة مكتملة، بل إشارة إلى تلك الثغرات التي تستعين بِطاقةٍ لونية أكثر إشعاعاً، كأنْ تمتدّ صُفرة مذهَّبة من بين جذوع بُنّية كتيمة، أو تحمل هذه الجذوع بنفسها أوراقاً خضراء مُشعّة، تُراسِل من خلالها سماءً غامقة. عند هذا الحدّ يُصبح التناقضُ توليفاً عامّاً، وتكشف آلية التشكيل عن قدرة في التدرّج، كما أنّ البطء الذي مهّد عتبات العنونة، يُغافل الناظر إليه، لا بالسرعة الخاطفة، بل بالمُراكمة اللونية التي تُنجز ذلك التغيُّر ما بين القاعدة والذروة، من خلال ضربات دقيقة للفرشاة.

الصورة
من معرض فاطمة الحاج - القسم الثقافي
(من المعرض)

تستعين "طبيعة" الحاج بلوحة ذات حجم كبير، ربّما هو ركونٌ إلى التناسُب، فالموضوعات الكبيرة تحتاج إلى مساحات كبيرة في نهاية الأمر، وهذا ما يُحصّن عملية التعبير لتلتقط كلّ شيء تُعاينه.

الجدير بالذكر؛ أنّ الفنانة أفصحت، في بيان المعرض الصحافي، عن "نُزهة" أُخرى استعانت بها، قبل تنفيذ اللوحات (اشتغلتها في باريس أثناء الحجر الصحّي المترافق مع انتشار وباء كورونا)؛ وهي نُزهتها مع قصائد الشاعر الفارسي نظامي الكنجوي الذي عاش في القرن الثاني عشر للميلاد. لذا لا يمكنُ تفسير الاستعانة بلوحات ذات حجم كبير من غير فهم الأثر الصوفي المتجلّي من خلالها.

كذلك تمكنُ قراءة معرض فاطمة الحاج بالتوازي مع ما تشهده ساحة التشكيل اللبناني من معارض؛ وهنا نتساءل: هل تأتي هذه "النزهة" استباقاً لقدوم الربيع، كما استبق جميل ملاعب بمعرضه الأخير "أزهار جميل ملاعب" دفء الفصل المُعتدل وألوانه؟ لا شكّ أنّ لوحات المعرض مُعبّأة بحمولة نفسية، تشفُّ عن قلق واكتئاب في بعض ملامحها، وإن حافظت على استشعار دائم لما يُسرّ النفس ويُمتّعها.

المساهمون