أطيافٌ من الشُّعراء يتنزّهون في متنزّه "فونديدورا" بمدينة مونتيري المكسيكية: راؤول زوريتا، ديريك والكوت، آنا كارسون، كلارا خانيس، إيدا فيتالي، أدونيس، أنطونيو غامونيدا وغيرهم. كانوا جميعاً ينتظرون الشاعر الجديد القادم إليهم، كي يتنزه معهم، كي يكون اسمه محفوراً إلى جانب أسمائهم، تحت شمس أزتيكية دافئة، وفي خضرة الشعر الدائمة.
كانوا يتحدّثون عن الشعر وعن الجذور، عن الأشجار؛ ما يُقطع ويُحرق منها، كلّ يوم، في غزّة. وما يَتركُ جذوره كي ينبت الحبّ، والبذار والخضار. إلى هؤلاء الكبار، انضمّ نجوان درويش كي يتحدّث معهم، كي يكون واحداً منهم ويصير جذراً نابضاً في أرض مونتيري.
هكذا احتفت المدينة المكسيكية، صباح الثلاثاء الماضي، بالزميل الشاعر الفلسطيني، حيث خصَّصت له في أكبر متنزّه في المدينة، شجرةً ولوحة كُتب عليها اسمه، تكريماً له، ولمنجزه الشعري، باعتباره واحداً "من أبرز الشعراء المعاصرين في العالَم العربي".
امتداد لتراث شعري عالمي وقف دائماً إلى جانب الحرية
إنّها مساحة الشعر العالمية في قلب المتنزّه، والتي افتتحتها المدينة عام 2007 وجعلتها منطقة رمزية للشعر، يجري فيها الاحتفاء بشعراء بارزين، على قيد الحياة، من جميع أنحاء العالم. هكذا توهب شجرة من الأشجار الموجودة في المتنزّه للشاعر المُحتفى به، كما هو الحال مع نجوان درويش، وتصبح شجرته، وتوضع أمامها لوحة عليها اسمه وتاريخ تكريمه. في هذا العام، ينضمّ إلى قائمة المكرّمين "شاعرٌ تركت أعماله بصمة في الساحة الشعرية العالمية"، وجاء تكريمه في ختام مشاركته في مهرجان "سانتياغو لي" الذي نظّمته بلدية "سانتياغو" ودار نشر "باسو روتو" الإسبانية والمكسيكية، التي أصدرت للشاعر الفلسطيني حتّى الآن ديوانين: "تَعِبَ المُعلَّقون" بترجمته الإسبانية "Exhausto en la Cruz"، و"استيقظنا مرّة في الجنّة"، الذي صدرت طبعة جديدة من ترجمته الإسبانية قبل أسبوعين بعنوان "Nada más que perder".
حضرَ التكريم عددٌ من الشعراء المكسيكيّين مثل خوسيه خافيير فياريال، وجانيت لونزانو، إضافة إلى حضور رسمي تمثّل في ريكاردو ماركوس، مستشار الثقافة في المدينة، الذي رحّب بالشاعر الفلسطيني، معتبراً هذا الاحتفاء، وما تمثّله الشجرة من رمزية "مكاناً للقاء الأفكار والمعارف والفنون والإبداع، وهذا ما جسّده شعر درويش".
أمّا الشاعر المكسيكي خوسيه خافيير فياريال، فاعتبر شعر نجوان درويش امتداداً لتراث عظيم من الشعر العالمي الذي وقف دائماً إلى جانب الحرية، والعدالة ومناصرة المظلومين، والمعلَّقين على الصلبان في كل أنحاء العالم.
لا شكّ أنّ الشجرة، على اختلاف أنواعها وأجناسها وأسمائها، هي رمز لتجدّد الحياة، رمز للجذر النابض في الأرض والذي لا يثمر إلّا مستقبلاً. وهذا هو الشعر، جذرٌ نابض ينمو، ويتحوّل، ويكتب حبر الطبيعة والحياة.
لكن قد يكون قدر نجوان درويش، تماماً مثل أشجار قصيدته، ومثل الحياة التي عاشها، لا ينتمي إلّا إلى أرض الحرية، الأرض التي تواجه اليوم أبشع أشكال الطغيان المتمثل في جرائم الإبادة التي يرتكبها الاستعمار الصهيوني. ربّما لهذا كانت أشجار المتنزّه كلّها تتمايل معه، على وقع قصيدته "مثل هذه الأشجار" التي ألقاها في ختام التكريم، شاكراً المنظّمين، والأشجار، والأرض والمكسيك:
الأشجارُ حريصةٌ أَن تتمايَلَ دونَ أَنْ تَسْقُطَ
لأَنّ الأَشجارَ الساقِطة هَهُنا لا تتلقاها الأَرضُ
لا شيءَ ولا أَحَد
ولأَنّها أَشجارٌ لَمْ تعُد تَحتَمِلُ عَفَنَ الجُذور
لأَنّها اختارت أَنْ تَنْبُتَ في الرّيح
عليها أَنْ تَدْفَعَ الثَّمَنَ وأَنْ تَسْقطَ بِلا نهاية.
وعليه، أَرجوك وأَنتَ تتمايلُ على الأَرصفة أَلّا تَسْقُطَ
لأَنّكَ أَيضاً سَتَسْقُطُ بِلا نهاية.
لا بأس إِنْ تخيَّلْتَ أَشجاراً تَتَمايَلُ مَعَكَ
وهواءً يَتلقّى سُقوطَكَ
أَنتَ الذي عِشْتَ مِثْلَ هذه الأَشجار
بِلا أَرضٍ ولا جُذور.
* شاعر ومترجم سوري مقيم في الأندلس