"مهرجان عنبر" في نسخته الثالثة: بيت بيروتي تُضيئه الفنون

25 فبراير 2023
اهتمامات مختلفة في "مهرجان عنبر" بالصورة والموسيقى والشعر
+ الخط -

صيفَ عام 2021، انطلقت في بيروت النسخة الأولى من "مهرجان عنبر للثقافة والفنون"؛ في محاولة من المُنظّمين لترميم الحالة الثقافية اللبنانية، وتجاوُز الصدمة التي تشكّلت بشكل خاص جرّاء انفجار مرفأ بيروت في آب/ أغسطس 2020، إلى جانب عوامل اقتصادية وسياسية ساهمت في تفاقم الأزمة.

يعود المهرجان لينعقد هذه الأيام في نسخته الثالثة، التي بدأت في السابع عشر من شباط/ فبراير الجاري، وتتواصل كل سبت حتى الخامس والعشرين من الشهر المُقبل. التقت "العربي الجديد" الفنان والمُحاضِر الجامعي أدهم الدمشقي (1990)، والذي تعود إليه فكرة المهرجان الأساسية، حيثُ اتّخذ من بيته ومحترفه في حيّ الجعيتاوي البيروتي مسرحاً لاستضافة فعاليات المهرجان المتنوّعة على مدار السنوات الثلاث.

بدأ المهرجان بدعوة عفوية وسرعان ما تفاعل معه الجمهور

يتحدّث الدمشقي عن المهرجان في فكرته الأولى، وعن المقوّمات التي اعتمد عليها حتى يكون فارقاً ونوعياً عن غيره، فيقول لـ"العربي الجديد": "في انفجار الرابع من آب/ أغسطس 2020، صادف وجودي أنا وكلبي على مقربة من الجريمة، وبعد سنة من ترميم بيتي الذي تدمّر في حي الجعيتاوي القريب من المرفأ، قرّرت أن أُقيمَ فيه معرضي الفردي الأوّل 'عنبر'، وتناولتُ فيه مقاربة فنّية لاضطراب ما بعد الصدمة".

يضيف: "بعدَ أن دعوت الناس إلى بيتي، المكان الذي عشتُ فيه سنة كاملة من الخَلق الفنّي الممزوج بالاضطرابات والتقلّبات المزاجية، والخيبات على وطن فقدنا انتماءنا إليه تدريجيّاً، نظّمتُ بعض الأمسيات الشعرية والموسيقيّة ضمن فعاليات المعرض، وبشكل عفوي. فتفاجأتُ بأنّ اللقاءات كانت مكتظّة بجمهور يتعطّش إلى الفن والنشاطات، تحديداً بعد كمٍّ من الويلات والجائحات التي ضربته: جائحة النظام السياسي، وجائحة الانهيار الاقتصادي، ثمّ كورونا وبعدها جريمة المرفأ. ومن هنا قرّرت تحويل هذا البيت إلى مُلتقى ثقافي، وتنظيم مهرجان سنوي يحملُ اسم 'عنبر'".

وعن معنى "عنبر"، يقول: "هي مادة صلبة لا ريحَ لها ولا طعم إلّا إذا سُحِقَت أو أُحرقت، وهي أشبه ببيروت التي فاح عطرها فينا حين احترقت. وكما أن صدماتنا يمكن أن تظلّ عثرة في دربنا، لكنّنا حين نحوّلها إلى عمل إبداعي، فستصير تجارب عنبرية تحرُّرية تصالحية، تقود من التصالح الفردي إلى التصالح الاجتماعي. وهذا هو جوهرُ رسالتنا. نريد في 'عنبر' أن نكون زهرة لوتس في مستنقع بيروت الموحل".

يتميّز "عنبر" عن بقية المهرجانات، يواصل الدمشقي، بأنه "يُقام في بيتي، وبيت 'غودو' كلبي وصديقي وشريكي الأول في هذا المهرجان. لكنّنا لا ندّعي أننا المقاومون الوحيدون في هذه المدينة. كُثرٌ هم الفدائيون في هذه المدينة، وكُثيرة هي المبادرات التي تُريد أن تُعيد إلى بيروت مجدها الثقافي والحضاري".

الجهات الرسمية متخلّية عن دعم الثقافة إلا إذا حققت لها مكاسب شخصية

كذلك سألت "العربي الجديد" الدمشقي عن معنى أن يتولّى شخصٌ واحد إقامة مهرجان ثقافي لمدّة شهر، وإذا ما كان هذا يعزّز مقولةً مفادُها إنّ المؤسسات الثقافية في البلد متخلّية عن مَهمّاتها، ولا تبادر إلى تقديم أي دعم، فأجاب الدمشقي: "الجهات الرسمية المتعلّقة بالنظام متخلّية عن مسؤولياتها منذ زمن بعيد، وإذا أقامت بعض الأنشطة أو رَعتها، فإنها تقوم بها لغايات شخصية أو مكاسب سياسية بحتة". 

الصورة
أدهم الدمشقي - القسم الثقافي
أدهم الدمشقي في أحد المهرجانات الثقافية بكوكسهافن الألمانية

ويضيف: "من هنا، تكثر المبادرات الفرديّة في بيروت لانتشال المدينة من وُحولها، إذ لستُ الوحيد الذي يؤمنُ بدور الثقافة في نهضة الشعوب. فإنَّ كلّ مبادرة ثقافية نقوم بها سواء في 'عنبر' أو غيرهِ تهدف إلى خلق بيئة ثقافية آمنة لمَن يَحْيَونَ بالفنّ لا بالخبزِ وحده".

وبالنسبة للمهرجان، يوضّح المتحدّث بأنّه "مبادرة فردية غير مُموَّلة أو مدعومة من جهة ما. وهذا يُشكّل عبئاً كبيراً عليّ، حيثُ أتكبّد بمفردي تمويل نشاطاته، وفي هذه المناسبة أتوجّه بالشكر إلى كلّ الفنانين الذين قدّموا ويقدّمون أمسيات المهرجان من دون مقابل ماديٍّ. ما يُتيح لنا جعل كل الدعوات مجانية ومفتوحة للجماهير".

تتقاطع في المهرجان عدّة أجناس فنّية، وهذا يطرح سؤالاً عمّ إذا كانت المشاركات تخضع لأي عملية انتقاء معيّنة، وفي هذا السياق يؤكّد الدمشقي: "حريصون على تقديم الأنشطة الثقافيّة الفنّية المتنوّعة من حيث المضمون والضيوف، لتطالَ اهتمامات الجماهير المختلفة في مجال الصورة والموسيقى والشعر وغيرها. أمّا من حيث اختيار ضيوف المهرجان، فإنّ الطيور على أشكالها تحلّق". 

أطمح أن يخرج "عنبر" من بيته الأول ويدخل إلى بيوت جديدة

يلفت الدمشقي إلى سعيه لأن يكون المهرجان "مساحة تلاقٍ لثقافات متعدّدة. فبعضُ الضيوف جاؤوا من بلدان أُخرى مثل مصر وسورية وغيرها. لكنْ ليسَ بدعوة من المهرجان، بل صادف وجودهم في لبنان، فاستضفناهم. ذلكَ لأنّ دعوة الفنانين من الخارج تتطلّب ميزانية خاصة". 

الصورة
الأمسية الموسيقية الأولى - القسم الثقافي
من الأمسية الموسيقية الأولى في هذه النسخة

وإذا كانت الاستمرارية هي هاجس الدمشقي، خلال النسخ الماضية للمهرجان، فهو يتطلّع، أيضاً، إلى الأعوام القادمة، وأن يبقى "عنبر" حاضراً فيها، يقول لـ"العربي الجديد": "أطمح أن يخرجَ 'عنبر' من بيتِه الأوّل، ويدخلَ إلى بيوت جديدة تستضيفُ مهرجانه، وبأن يتضمّن في السنوات المُقبلة مجموعة أمسيات، وكلّ أمسية تكون في بيتٍ مُختلف داخلَ بيروت وخارجها. ليسَ هناكَ أجمل من أن تُضاء بيوتنا بالفنّ والثقافة، وتكون مساحة تلاقٍ فكريّة وإنسانيّة. لذا أتواصلُ حاليّاً مع الأصدقاء لتنظيم المهرجان الجديد في أكثر من بيت، كما أنّني أتوجّه من خلال منبركم بدعوة عامة إلى الراغبين في استقبال المهرجان. دعونا نضيء بيوتنا بالثقافة".

يتواصل المهرجان بـ"لقاء تأمّلي في الجسد الحسّي" مع ثُريّا بغدادي عند السابعة والنصف من مساء اليوم السبت. وفي نفس التوقيت مساء السبت المُقبل ينتظم لقاء "مِنْ إلى" حول فلسفة الصورة الفوتوغرافية مع نوار بركات، و"قراءات وحوار مع الشاعر ربيعة أبي فاضل" في العاشر من آذار/ مارس المُقبل، وندوة حول علمَي النفس والاجتماع في "المكتبة العامة" لبلدية بيروت - الجعيتاوي، في الحادي عشر منه.

وفي الثامن عشر منه يُحاضر الباحث شربل داغر تحت عنوان "هل بات الشعر أخرس؟"، على أن تُختتم التظاهرة يوم الخامس والعشرين بعرض فيلم "رصاصة طايشة"، عند السادسة مساءً، يليه نقاش مع المخرج جورج هاشم.

المساهمون