في الدورة الأخيرة من "مهرجان الأردن الدولي للأفلام" التي انعقدت في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، وصلت الانتقادات التي تكرّرت منذ تأسيسه عام 2013، أخيراً، إلى وزارة الثقافة؛ الجهة المُنظّمة، التي قرّرت تأجيل الدورة الحادية عشرة من التظاهرة إلى سنة 2024، بدلاً من العام الجاري.
القرار لم يتمّ الإعلان رسمياً عنه، حيث لا بلاغات صحافية نشَرتها الوزارة في وسائل الإعلام، ولا يتوفّر على موقعها الإلكتروني سوى خبر إطلاق الدورة السابقة، والكُتيّب والنشرات التي صدرت عنها، وعن دورتين أُخريَين، ما يطرح التساؤل الدائم عن سبب إهمال أرشيف إدارات الدولة خلال نحو مئة عام مضت.
قد يجد بعض المتابعين أنّ مراجعة المهرجان وإعادة تقييمه، بحسب مصادر داخل "وزارة الثقافة"، تستدعيان قدراً من السرّية، ربما لأن الأخطاء والإخفاقات المُتتالية لم تكن عابرة، إنما تمسّ بُنية التظاهرة التي رُصدت لها ميزانية مُنخفضة، ولم تتم إدارتها بكوادر كفوءة تفتقدها الوزارة، وشهد التنظيم ثغرات كبيرة تتعّلق بضعف التقنيات اللازمة للعرض، حتى في اختيار الأفلام المُشاركة التي يجمعها ناظم في شكلها السينمائي أو تربطها ثيمة محدّدة.
تكرّرت الانتقادات الموجّهة للمهرجان منذ تأسيسه عام 2013
على أية حال، تبدو مُفردة "المراجعة" نادرة الاستخدام في لُغة الوزراء المُتعاقبين والمسؤولين داخل الوزارة، أو أنها تُلقى في وجه الصحافيين للتملُّص من انتقاداتهم، وشراء الوقت اللازم لإعادة الأخطاء ذاتها، أو إجراء مراجعات سطحية من أجل التغطية على افتقار الكفاءات، وكذلك الاستمرار في "نهج التنفيعات" بمعظم الفعاليات الثقافية الرسمية، التي يحدث أن يُنظّمها عشرات الموظّفين من أجل استضافة بضعة ضيوف وعروض محدودة.
ما حدث هذه المرّة أن الوزارة شكّلت لجنة، أو إطاراً، يضمّ شخصيات تمتلك آراء موضوعية ومستقلّة، ووضعت غايةً محدّدة تتمثّل في إرجاء الدورة الحادية عشرة إلى السنة المقبلة، وليس توقّف المهرجان بشكل نهائي، والسعي خلال هذه الفترة إلى طرح كلّ الأخطاء السابقة على طاولة النقاش بغية تخطّيها.
نقاشٌ يفترض بحث أمور شَكليّة تتعلّق بالالتزام بمعايير المهرجانات السينمائية الدولية، التي تمّ تجاوزها في الدورات السابقة، وكذلك استضافة وتكريم صنّاع الأفلام واختيارهم أعضاء في اللجان، وعدم دعوة فنّانين انحسرت تجربتهم في المسرح والدارما التلفزيونية. وفي المضمون أيضاً، يتعلّق بتحديد الغاية الأساسية التي يجب تحقيقها من مهرجان تعثّر سواء في إنتاجه أفلاماً ضعيفة المستوى، أو في تكريس هوية خاصة به.
الأخطاء المتتالية لم تكن عابرة إنما تمسّ بنية التظاهرة
في حديثه إلى "العربي الجديد"، أشار مدير "مديرية الفنون والمسرح" في الوزارة ومدير المهرجان، الفنان المسرحي عبد الكريم الجراح، إلى أن ورشات العصف الذهني بدأت بمشاركة كلّ المعنيّين بصناعة الفيلم في الأردن، من أجل إعادة صياغة تعليمات المهرجان وتطوير مخرجاته.
وتوقّف أيضاً عند عائق أساسي يتّصل بقلّة إمكانيات المهرجان، حيث الخروج من هذا المأزق ينطلق من تأسيس الشراكات مع مؤسسات حكومية وخاصة، لا تهدف إلى البحث عن التمويل فحسب، بل الشراكة في الأفكار والرؤى، يرشح عنها خلق شغف حقيقي بمتابعة الفيلم الأردني، وفتح شبّاك تذاكر دائم لمُشاهدته.
الشراكة تبدو "الوصفة السحرية" التي كثيراً ما يجري ترديدها في أروقة الوزارة دون تحقيقها على أرض الواقع، إلّا في حالات محدودة جدّاً، فهي تبدو اقتراحاً لا يجتذب أيّة جهة كانت، بالنظر إلى تلك "المُخرجات" التي يتحدّث الجرّاح عن مراجعتها. لكنّ الخطوة الجذرية الأُولى تغيب عن وزارة في حكومة لا تزال تعتقد أنّ عليها إنتاج الثقافة، مهمّا تردّى مستواها، وأنّ عليها إدارة وتنظيم كلّ الأنشطة الثقافية، وغيرها من الأفكار التي تنتمي إلى الماضي. ويغيب عنها أن الحاضر يستدعي خطوة عمَلية وواقعية ومُنتجة تتمثّل بتأسيس صندوق مستقلّ للسينما، وآخر للمسرح أو النشر أو الترجمة وغيرها من القطاعات، تديره هيئة مستقلّة تعمل بشفافية وفق معايير وأحكام مُعلنة لقبول دعم المشاريع المُترشّحة لها، وما عدا ذلك يُمكن الاستغناء عن كوادر الوزارة ببضعة موظّفين، للقيام بمهام إدارية بسيطة في إدخال البيانات والأرشفة بشكل أساسي.
الجرّاح يلفت إلى أن مُخرجات المهرجان طوال عقدٍ ماضٍ تبعث على الرضا، وأنها ساهمت في تطوير صناعة الفيلم، لكن العصف الذهني القائم اليوم من أجل تحسين الشروط، مُقرّاً بأن بعض ما أنتجته الوزارة من أفلام لعرضها في المهرجان كانت سويّتها ضعيفة، لذلك يقترح أن تغيير آلية الدعم بحيث يكون تمويل الأفلام جزئياً أو ما بعد الإنتاج، ما يعني رفع مستوى التنافُس بين صنّاع الفيلم، لكنهّ اقتراح يُبقي للوزارة كامل مسؤولياتها وأدوارها الحالية.
من جهته، يرى الناقد السينمائي الأردني ناجح حسن أنّ المهرجان لم يلتزم بقواعد وأحكام المهرجانات السينمائية طوال العقد الماضي، حيث تمّ اختيار الأفلام المشاركة على نحو عشوائي بدون تحديد محور أو ثيمة، وبهذا الشكل تمّ اختيار لجان التحكيم، وقدّمت أعمال أردنية محدودة القيمة لا ينطبق عليها مُسمّى "فيلم"، وظلّ قاصراً وعاجزاً عن امتلاك خصوصية أو هوية، ولم يحدّد جمهوره المستهدف كذلك.
وينبّه إلى أن ميزانية المهرجان لم تكن كافية للإنفاق على بنود مُهمّة في جميع التظاهرات السينمائية الدولية مثل استضافة شخصيات معروفة في مجال الفنّ السابع، ولم تتمكّن الإدارات السابقة من دعوة أصحاب الأفلام الفائزة بجوائزه والتي تسلّمها ممثّلون عن سفارات بلدانهم، وكان يُنفَق جزء من الميزانية المتواضعة لإنتاج أفلام أردنية بعضها بمستوى غير جيّد، رغم أن الإنتاج لا يجب أن يكون هدفاً من أهداف المهرجان، وكان يجب أن يُناط بصندوق مستقلّ عنه.
ويؤكّد حسن أنّ الأردن بحاجة إلى مزيد من المهرجانات، متخصّصة في مجالات عديدة مثل السينما التسجيلية وأفلام الطفل والبيئة وغيرها، وأن تتميّز عن غيرها من المهرجانات المنافسة في العالَم العربي، وحتى يتحقّق ذلك يجب توفير ميزانية كافية واختيار لجان متخصّصة في المشاهدة والاختيار والتحكيم، وتوفير فضاءات عرض مناسبة تقنياً ولوجستياً، وتعيين كوادر خبيرة بالتنظيم والإدارة؛ شروط أساسية لإنجاح المهرجان الذي تعثّر رغم كلّ النوايا الطيبة.