من شرشال إلى وهران.. مكتبات الجزائر كيف حالك؟

17 يوليو 2022
من "مكتبة شرشال" في مدينة شرشال غرب الجزائر العاصمة (العربي الجديد)
+ الخط -

خلال أقلّ من أربع وعشرين ساعةً، قرأ محبّو الكُتب في الجزائر خبرَين سيّئَين: الأوّلُ مِن مدينة شرشال بولاية تيبازة (90 كلم غرب الجزائر العاصمة)؛ حيث أعلَنت "مكتبة شرشال"، الإثنين الماضي، عن إغلاق أبوابها "لأجل غير مسمّى". أمّا الثاني، فكان من مدينة وهران غرب البلاد؛ حيث جرى تداوُل صُورة لـ "مكتبة المأمون" تُظهر لافتةً معلّقةً على واجهتها وقد كُتبت عليها عبارة "للبيع".

أثار الخبران المتزامنان - وربما بسبب تزامُنهما - تفاعُلاً واسعاً على مواقع التواصُل الاجتماعي؛ حيث رأى البعضُ فيهما دليلاً آخر على "إخفاق سياسات الدولة في مجال الكتاب". مِن بين هؤلاء الباحث في السياسات الثقافية الدولية عمّار كسّاب، الذي أشار، في منشور له على فيسبوك، إلى أنَّ وزارة الثقافة التي اعتمدت، منذ أكثر من عشرين عاماً، على سياسة دعم دُور النشر، أهملت المكتبات في المُقابِل.

برأي كسّاب، فإنّ دعْم طبْع الكتاب واستيراده يسمَح بالتحكّم في محتواه من جهة، ويفتح - من جهة أُخرى - طريقاً للتلاعُب بالمال العام مع دُور النشر التي كثيرٌ منها ليست سوى حبر على ورق، أي أنّها غير موجودة، لكنها تستفيد من التمويل، بينما من شأن "تمويل مكتبة أنْ يُقوّي قدرتها على توزيع الكتب، بمختلف مضامينها وتوجُّهاتها، لأكبر عدد ممكن من المواطنين"، لافتاً إلى أنّ دُور النشر في الجزائر أكثر من المكتبات بكثير.

يشتكي أصحاب المكتبات من غياب الحماية الاقتصادية

في حديثه إلى "العربي الجديد"، يقول أمين سعدون، مسيّر "مكتبة شرشال"، إنّ إغلاق المكتبة لن يكون نهائياً؛ إذ ستعود إلى سابق نشاطها "حين تتوفّر الظروف المناسبة لذلك"، مُشيراً إلى أنّها ستكتفي، خلال هذه الفترة، ببيع الكتب عن بُعد.

يُعدّد سعدون (مواليد 1991) جملةً من الإكراهات التي أدّت إلى اتّخاذ قرار الإغلاق؛ مِن بينها احتكار سوق الكتاب مِن قِبل ما سّماها "عصابات الكُتب" التي قال إنّها تُسيطر على الكتاب وتتحكّم في أسعاره، إضافةً إلى توقُّف النشر بسبب تداعيات جائحة كورونا والارتفاع الكبير الذي تشهده أسعار الورق، فضلاً عن أزمة السيولة المالية.

ويذكُر المتحدّث سبباً آخر يتمثّل في "عدم وجود حماية اقتصادية للمكتبات"، موضّحاً: "في السابق، كنّا نعمَل مع المؤسَّسات الموجودة في الولاية، بما فيها المدارس والمكتبات العمومية. هذه المؤسّسات تُوفّر للمكتبات هامشاً ربحياً يسمح لها بالاستمرار. أمّا الآن، فقد أصبح معظمُها يتعامَل مع مكتبات من خارج البلدية. وهنا لا بُدّ من الإشارة إلى ضرورة وجود قوانين تفرض على المؤسَّسات التعامُل مع المكتبات الموجودة في بلديتها، بهدف حماية المكتبات".

أسأله هنا عمّا إذا كانت وزارة الثقافة تقوم بأيّ دور في حماية المكتبات، فيُجيب بأنّ الدور الوحيد الذي تقوم به الوزارة هو حجْز الكتب ومنْع العناوين تحت مبرّرات مختلفة، مُضيفاً أنّ الوزيرة السابقة، مليكة بن دودة، حاوَلت القيام ببعض الإصلاحات في مجال الكتاب، لكنّها أُبعدت عن منصبها، مضيفاً: "لا أستبعد أن يكون لعصابات الكتب دورٌ في إبعادها".

وفي هذا السياق، يذكر سعدون الصعوبات التي يواجهها أصحاب المكتبات خلال "معرض الجزائر الدولي للكتب"؛ حيث "يجري منعُنا من شراء الكتب بالجملة، وهذا أمرٌ غير مفهوم البتّة؛ فالهدف من المعرض، كما أتصوّر، هو توفير الكتاب للجزائريّين على مدار أيام السنة، وليس لفترة محدودة فقط".

تأسَّست "مكتبة شرشال"، وهي من المكتبات القليلة الموجودة اليوم في ولاية تيبازة، في آب/ أغسطس 1996 مِن قِبل فريد سعدون؛ وهو والد أمين الذي يقول، في ختام حديثه إلى "العربي الجديد"، إنّ ما دفع والدَه للعمل في هذا المجال هو حبُّه للكتب كغيره من أفراد عائلته.

وابتداءً مِن الخميس الماضي، أَغلقت "شرشال" أبوابها بعد قرابة ستّة وعشرين عاماً من النشاط، مُفضّلةً التوجُّه إلى الإنترنت لبيع ما يضمّه مبناها من كتب؛ وهي قرابة 600 عنوان بالعربية والفرنسية والإنكليزية.

تدعم وزارة الثقافة دُور النشر لكنّها تُهمل المكتبات

ماذا عن "مكتبة المأمون" في وهران، هل ستُغلق أبوابها هي الأُخرى؟ سؤالٌ وجّهَته "العربي الجديد" إلى فتحي موساوي، نائب مسيّر المكتبة التي تأسّست بدايةَ التسعينيات، وهي اليوم جزءٌ من سلسلة "مكتبات ناجي" التي تملك فروعاً في عدّة مُدن؛ من بينها الجزائر العاصمة، وسطيف (شرق)، وأدرار (جنوب).

يُجيب موساوي بأنَّ المكتبة الواقعة على الواجهة البحرية لمدينة وهران لن تُغلَق كما فُهم مِن الصورة التي جرى تداوُلها عبر مواقع التواصُل الاجتماعي، بل سيجري نقلُها إلى مكان آخر، مُوضّحاً: "قرّر الورثة بيع المقرّ الحالي (تبلغ مساحته 160 متراً مربَّعاً) حتى يأخذ كلٌّ منهم حصّته. أمّا المكتبة، فستظلُّ موجودةً؛ حيث ستنتقل قريباً إلى مقرّ أكبر مساحةً. إذن، فقد تخلَّينا عن المبنى وليس عن الكتاب".

يضيف: "مع ذلك، ليس من السهل التخلّي عن رصيد من العلاقات الاجتماعية والإنسانية التي جمعَتنا مع محبّي الكتب على مدار ثلاثين سنة". وهذه العلاقة بين "المأمون" والقرّاء عبّرت عنها حليمة، في تعليق كتبته على صفحة المكتبة في فيسبوك، قالت فيه: "المكانُ مرتبطٌ لدينا بذكريات جميلة جدّاً. بدأتُ التردُّد على المكتبة وأنا في الرابعة من عمري، وكان اسمها 'مكتبة الأمير عبد القادر'. يصعب عليَّ أنْ أمرّ بالمبنى وأرى شيئاً آخر فيه غير المكتبة".

ولا يفوّت فتحي موساوي حديثه إلى "العربي الجديد" دون أن يتطرّق إلى الصعوبات التي تواجهها المكتبات في الجزائر، وتدفع بكثير منها إلى تحويل نشاطها إلى مقاهٍ ومحلّات للأكل السريع؛ وفي مقدّمتها تراجُع المقروئية وانتشار الكتب المقرصَنة التي تُباع بأسعار زهيدة مقارنةً بالكُتب الأصلية.



الكتاب يتيماً

ليست "مكتبة شرشال" سوى عيّنة لعدد كبير من المكتبات التي أغلقت أبوابها في عدّة مدن جزائرية وتحوّلت إلى أنشطة تجارية أكثر ربحيةً، لكنّها تُذكّر بحالة اليُتم التي يعيشها الكتاب. الناشط الثقافي عزيز حمدي كتب أنّ الدولة لا تتردّد في تمويل أندية كرة القدم المفلسة لمنعها من الزوال، فلماذا لا تُدعم المكتبات، رغم أنّ ذلك لن يكلّفها سوى جزء ضئيل جدّاً ممّا يكلّفه نادي كرة قدم؟

المساهمون