سادت طوال العقود الماضية مطبوعات ومجلات تربوية تعبّر عن رؤية المؤسسة الرسمية العربية التي تقارب التعليم خارج متغيرات الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، أو تلك التي تصدرها كليات التربية في الجامعات وتهمّ الأكاديميين وأصحاب الاختصاص.
تشكّل مجلة "منهجيات" التي صدر حديثاً عددها الثالث (شتاء 2021)، فضاء معرفياً مستقلاً قائماً على التفاعل، كما تعرّف عن نفسها، باعتبارها "التلاقي بين التجربة والتواصل والفكر والتأمل والفعل في تجربتنا الواقعية في السياق التربوي المدرسي"، حيث "ترافق المعلمين في العالم العربي وهم يطوّرون وعيهم النقدي تجاه الواقع التعليمي الذي يحيط بهم وتجاه الواقع الثقافي والفكري والاجتماعي الذي ينعكس على النظام التعليمي في الوقت ذاته الذي هو انعكاس له أيضاً".
وتشير كلمة العدد إلى أنه "في الحديث عن أهمية تضافر الجهود واستغلال الأزمة لوضع الخطط بهدف تطوير قطاع التعليم أصبح المعلم الحلقة الأقوى ضمن معادلة التغيير التي فرضت نفسها"، موضحةً بأنه "قد لا يكون دوره قد تغيّر بالضرورة، ولم يتغيّر، لكنها العلاقة مع المهنة والعلاقة مع الذات هي التي تطوّرت".
تشكّل المجلة التي صدر عددها الثالث حديثاً فضاًءاً معرفياً مستقلاً قائماً على التفاعل
"كيف نعلّم في زمن كورونا؟ أيّة أدوات واستراتيجيّات لتعليم مختلف؟" عنوان ملف العدد الحالي الذي يتضمّن ثمانية مقالات؛ الأولى بعنوان "جاءنا الخبر الآتي.. نشرة أخبار صفيّة تبشّر بمستقبل تعليميّ واعد بعد الجائحة" لـ كلارا اللقيس، تضيء من خلالها على أهميّة التعليم الرقمي في مادة اللغة الفرنسية لصفوف المرحلة الثانوية، والثانية بعنوان "الإنترنت والأشياء خطوة نحو "إنترنت الأشياء".. تأملات في ممارسات التعلّم خلال الحجر" لـ ميسرة أبو شعيب، تسعى إلى إكساب الطالب مهارات الحياة الضرورية من المنزل بالتزامن مع التعليم الإلكتروني، وتعليم الأمهات استخدام محسوسات وموجودات منزلية للمساعدة في تعليم أطفالهن بصورة تفاعلية.
المقالة الثالثة بعنوان "كيف درّستُ خلال الجائحة؟ تعليم النشاط العلميّ لطلبة الصف الأوّل الابتدائيّ" لـ مولاي الحسن الإدريسي والذي يتناول تفاصيل تجربته العملية في التعامل مع هذه المرحلة، بينما يقارب عدي علي أحمد في مقالته "لا تلقين مع كورونا.. تدريس العلوم بطريقة الإشكاليّات" تجربته التعليمية في مادة العلوم مع طلاب الصف الحادي عشر.
وتعالج المقالة الخامسة "مادة الطبيعيات في نسختها الافتراضية" لـ وداد رفيق ضيا واقع تدريس هذه المادة العلمية عبر اللوح التفاعلي، وتقدّم مها جمال أبو منشار في مقالتها "نموذج لاستمرار التعليم.. خواطر حول مبادرة سبّورة وطبشور" كيف حوّلت مادة الجغرافيا من خلال استخدام السبورة إلى مادة ممتعة مشوقة ميسّرة معتمدة طرائق تبتعد عن التلقين.
أما المقالة السابعة "تعليم اللغة العربية عن بعد" لـ دريّة كمال فرحات، فتتناول اختلاف وجهات النظر حول جدوى التعليم الرقمي، ومدى فاعليته في تحقيق مخرجات العملية التعليمية، ويناقش نور الدين زهير في مقالته "تطبيقات في خدمة المعلم" توسيع خيارات المعلمين والمدارس في ما يتعلّق باستخدام التقنية، بتقديم عدد من الخيارات، وتمكين المعلمين والإدارات من أبجديات البحث عن التقنية المناسبة.
وفي باب "محاورة"، لقاء مع التربوي والباحث الفلسطيني منير فاشه (1941) يستعيد فيه تجربته منذ تمرّده طفلاً على التعليم حيث كان يختلق أعذاراً لعدم ذهابه إلى المدرسة، وبدايات رحلته مع التدريس والتزامه بالعمل التطوعي الذي اقترحه على رئيس "جامعة بيرزيت" حنا ناصر عام 1973 فاعتمدته متطلباً للتخرج، وكذلك تجربته في نوادي العلوم والرياضيات، وعلاقة التعليم بالعافية.
ويوضّح نعيم حيماد في مقالته "التعليم عن بُعد وعُسر الانتقال إلى العالم الافتراضي" أنه إذا كان دور التعليم في العالم الواقعي هو التنمية وحفز الإبداع وحفظ المكتسبات، فإن دوره الأساسي في العالم الافتراضي هو إتاحة فرص تعلّم أكبر للجميع، وتيسير التواصل، ودعم القيم، وفق رؤية تكاملية لحياة المتعلّمين، بينما تتساءل سها نصر الله في مقالتها "تحدّيات ومخاوف حول التنشئة الاجتماعية.. بين التعليم الحضوريّ والتعليم عن بعد" إن كان التعليم عن بعد يزيد الفروقات الفردية الاجتماعية لدى الأطفال.
تشير كلمة العدد إلى أن المعلم أصبح الحلقة الأقوى ضمن معادلة التغيير
كما يتضمّن العدد باباً بعنوان "التعليم بالمشروع" الذي يقوم على مبادئ ستّة رئيسية، هي: التعليم ذو المعنى، والمشاركة بفاعلية ومسوؤلية، والمسار المفتوح، والتعاون والمشاركة، والإنجاز الملموس، والنمو التكاملي. وتقريراً بعنوان "العقد العربيّ لمحو الأميّة وتعليم الكبار (2015 – 2024)" الذي اعتمده مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة في دورته السادسة والعشرين.
بالإضافة إلى مقالة "التعاون بين الأسرة والمدرسة.. سيرورة انخراط الوالدين في تتبّع مسار أبنائهما دراسيّاً" لـ عزيز رسمي ويوسف إمهال، و"العلوم في المراكز والمتاحف.. فضاء لتعلّم أغنى وتنمية سمتديمة" لـ بيسان بطراوي، و"تأثير الشركات الخاصّة في التعليم.. دعم وتطوير أم سيطرة وتسليع؟" لـ يوسف حرّاش، و"كي لا نقتلَ التعلّم" لـ أحمد مصطفى عيد، و"المعلم الذي نريد" لـ هيفاء نجّار، ومقال مترجم بعنوان "التقييم التكوينيّ.. سبع طرائق لإجراء التقييمات التكوينية في صفّك الافتراضيّ" لـ نورا فليمنج. وفي باب "كتب تربوية"، مادة عن كتاب "إعادة اختراع التعليم" لـ إسماعيل سراج الدين.
يُذكر أن مجلة "منهجيات" تصدر بمبادرة من "مؤسسة ترشيد" وترأس تحريرها رولا قبيسي، ويدير التحرير عبّاد يحيى، إلى جانب إيزابيلا إبراهيم سكرتير التحرير وعضوية هيئة التحرير التي تضمّ: بدر عثمان ونعيم حيمان ونور الدين زهير. وتشمل الهيئة التأسيسية للمجلة سامية بشارة ومحمود عمرة ورولا قبيسي وعبّاد يحيى.
وتتكوّن الهيئة الاستشارية من: أسماء الفضالة، وإلياس عطالله، وجمانة الوائلي، ودرصاف كوكي، وريما كرامي عكاري، وعبدو موسى، وعزيز رسمي، وغادة معلوف، وماري تادرس، ومحمد عبد الرحيم الجناحي، ومرسل الدواس، وميامن الطائي، ونازك سليمان بدير، ونضال الحاج سليمان، وهنادي ديه، وهيفاء نجّار، ووحيد جبران.