منصف المرزوقي.. سيرة في كتاب

20 مارس 2021
منصف المرزوقي خلال زيارة رئاسية إلى برلين، في آذار/ مارس 2013 (Getty)
+ الخط -

"منصف المرزوقي: حياته فكره (حوار - سيرة)" عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً عن "عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، ويتضمّن حواراً مطوّلاً أجراه معطي منجب وعبد اللطيف الحماموشي مع رئيس تونس الأسبق، يُكثَّف فيه عصارة تجربته السياسية والفكرية.

يعود الحوار إلى ذكريات طفولته وشبابه اللذين أمضاهما بين تونس والمغرب وفرنسا، إضافةً إلى حياته الشخصية، كما يضيء وقائع وأحداثاً سياسيّة عاشها المرزوقي، أو كان فاعلاً فيها، بدءاً من انخراطه في نضالات الطلبة العرب والأوروبيين، خلال دراسته الطب في فرنسا في أواخر ستينيات القرن الماضي، مروراً بمعارضته سلطوية الرئيس الحبيب بورقيبة ودكتاتورية زين العابدين بن علي، إلى جانب ما تعرّض له من جرّاء ذلك من سجن، وطرد من وظيفته الجامعية، ومراقبة لصيقة من جهة الشرطة السياسية، وصولًا إلى اندلاع الثورة التونسية في أواخر عام 2010، ومحاولات الثورة المضادّة إفشال التحوّل الديمقراطي. 

يصوّر الفصل الأوّل، "من القرية إلى العالم"، انتقال المرزوقي من قرية فقيرة في ضواحي مدينة قرمبالية، جنوب تونس العاصمة في ولاية نابل، إلى العالم، وقراءاته، ونضاله. كما يبيّن هذا الفصل تأثّر المرزوقي أولًا بالقومية العربية. 

يروي المرزوقي سيرته منذ الطفولة وحتّى محاولات الثورة المضادّة إفشال التحول الديمقراطي في بلاده

ويرى صاحب كتاب "الألم العربي"، في الفصل الثاني، الذي يحمل عنوان "في مواجهة العاصفة"، أن الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي هو الذي أمر باعتقاله وسجنه، وهو نفسه الذي خلّصه من محنة المتابعات القضائية في بداية حكمه: "لمّا قمت بنشر كتاب 'دع وطني يستيقظ' في عهد المرحوم بورقيبة، توبعتُ قضائيّاً بسبع تهَم، منها المسّ بهيبة الدولة والمسّ برئيس الجمهورية ... إلخ. كانت لديّ معلومات مؤكّدة عمّا تقوم به النيابة العامة لإطاحتي وسجني، لأنّي تجاوزت الحدود بانتقادي بورقيبة ونرجسيّته، وكان القاضي يؤجّل الجلسة بشكل متكرّر، حتّى أني أصبحت متعوّداً الذهاب إلى المحكمة بشكل دوري في عام 1987".

بحسب رأي المرزوقي في الفصل الثالث الذي ورد بعنوان "من السجن إلى قصر الرئاسة"، فإنه لم يُتوقع أنّ "حادث استشهاد البوعزيزي سيكون القشّة التي قصمت ظهر النظام وأنهته، وذلك لسببٍ بسيط يتمثّل في أنّ ذلك الفعل الذي قام به البوعزيزي سبق أن تكرّر تسع مرّات". وبحسب رأيه أيضاً، أربَكَ نجاح الثورة المنظومة الحاكمة، وتركها تخبط خبط عشواء للخروج من الأزمة بأقل الخسائر، فأُجبرت على إعلان هروب بن علي، ثم تسمية الرئيس الجديد للبلاد بناءً على النص الدستوري المعتمد. 

غلاف الكتاب

يقول صاحب كتاب "عن أية ديمقراطية يتحدثون؟" عن في الفصل الرابع، "اليسار والديمقراطية والعلاقة مع الإسلاميين"، إنه "في سبعينيات القرن الماضي كنّا نعتبر أن الإسلام السياسي يسير بنا نحو التخلّف والجهل. وفي أواسط الثمانينيات بدأ الصدام مع الإسلاميين في الجرائد والمجلات، وطغت النقاشات الفكرية معهم وحولهم. وقد كتبت في ما بعد كتاباً سمّيته 'في سجن العقل'، جاء فيه أن الإسلاميين يفكّرون بالكيفية ذاتها التي يفكّر بها الماركسيّون، أي يُقرّون بأنّهم وحدهم من يمتلك الحقيقة الدينيّة والآخرون يقرّون بامتلاكهم وحدهم الحقيقة الموضوعية، وبذلك فإنّهم يتوافرون على البُنية الذهنية نفسها، فصار الصدام بين الجهتين".

في الفصل الخامس، "إضاءات على السيرة الفكريّة لمنصف المرزوقي"، تُفصَّل مسيرة الرجل من القومية والماركسية إلى اليسار الاجتماعي؛ فهو قد انتمى إلى اليسار العُروبي في وقتٍ مبكّرٍ، وتشبّع بالأفكار الثورية المستلهَمة من أدبيّات المنظمّات الماركسية ومن المشروع الفكري والسياسي للوحدة العربية. "لكنْ مع تقدّم تجربته في الحياة والانجذاب نحو فكرة حقوق الإنسان، بدأ يُبدي بعض الحذر من التفكير المُرتكز على الحتميات، أو التفكير اللاعلمي كما يُسمّيه. وتجذّر هذا الحذر مع مرور الوقت ليقرّر أخيراً مراجعةً فكرية شاملة قادته إلى التخلّص من الإرث السلطوي الغالب على صفوف اليسار المحلّي وبين ظهراني القومية المنغلقة على الذات، ليعمل على المساهمة في تأسيس تيّارٍ ينهل من عُروبةٍ ثقافيّةٍ غير مؤدلجة، ويسارٍ اجتماعيٍّ يجمع العدالة الاجتماعية - الاقتصادية إلى الدفاع عن حقوق الإنسان، وديمقراطيّةٍ سياسيّةٍ ليبرالية ترتكز على ضمان الحقوق المدنيّة والسياسيّة لشعب المواطنين".

ينتقد المرزوقي في كتاباته أنظمة الحكم الشمولي التي تسعى إلى تبرير سياساتها القمعية باستخدام مفاهيم من قبيل "الصالح العامّ" أو "المصلحة العليا للجماعة" (وفي حالة العرب "المصلحة العليا للأمّة")، ويرى أنّ "البضاعة الأيديولوجية قد تبيع الوهم للفرد، الذي يجب ألا ينجرّ وراءها وينخدع بمفاهيمها الساحرة وغير الواضحة: الاشتراكية؛ حتميّة التاريخ؛ التقدّم؛ حق الأمة العربية... وغيرها".

يقف المرزوقي ضد شخصنة الحكم واللغة المذهبية، ويمارس مقاومة الاستعمار الاستبداد، ويدعو إلى تبنّي التفكير العلمي، أي التفكير القائم على الفرضيّات لا الحتميّات، ويرفض الشيوعية على النمط السوفييتي، كما أنّه لا يُقرّ بالليبرالية الاقتصادية التي قد تخلط عن عمْدٍ بين حرية المبادرة وحرية الاستغلال، ويرفض كذلك تحميل الإسلام السياسي أو الثقافة العربية مسؤولية إخفاق أغلبية الدول العربية ــ التي عرفت حراكاً سياسيّاً في عام 2011 ــ في تحقيق انتقال ديمقراطي حقيقي.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون