"مكتبة محمد أركون"... هل تنكّرت الجزائر لمفكّرها في حياته وبعد موته؟

05 مارس 2023
محمد أركون، 2006 (Getty)
+ الخط -

في 17 أيلول/ سبتمبر 2010، دُفن جثمان المفكّر الجزائري محمّد أركون - الذي غادر عالمنا في باريس؛ حيث عاش فيها منذ منتصف الخمسينيات - في "مقبرة الشهداء" بمدينة الدار البيضاء المغربية، وسْط حضور عدد كبير من الشخصيات الفكرية والثقافية والسياسية في المغرب، وغياب للسفير الجزائري في الرباط.

وقالت زوجةُ أركون، المغربية ثريا اليعقوبي، إنّ ذلك أتى "تنفيذاً لوصيته"؛ وهو ما أثار جدلاً في الجزائر حول اختيار صاحب "نزعة الأنسنة في الفكر العربي" أن يُدفَن في الدار البيضاء التي عاش فيها 15 عاماً بعد تقاعُده من العمل الأكاديمي، وليس في قريةِ تاوريرت ميمون بولاية تيزي وزّو الجزائرية؛ حيث أبصر النور عام 1928؛ إذْ وجّه البعضُ انتقادات إلى المفكّر الراحل بلغت حدَّ التشكيك في وطنيته، بينما دافع آخرون عن خياره، مُعتبِرين أنّ له أسباباً عائلية، وأُخرى ذاتية ترتبط بعلاقته مع بلده الأُمّ الذي "كان مُجحفاً في حقّه، ولم يُقدّر مكانته الحقيقية".

روايةُ الوصيّة ستُعارضها سيلفي أركون (1963)، ابنةُ المفكّر الراحل من زوجته الفرنسية، والتي نفت، خلال محاضرة قدّمتها في "المركز الثقافي الفرنسي" بالجزائر العاصمة عام 2015، أن يكون والدُها قد أوصى بدفنه في المغرب، مُعتبرةً أنّ ذلك كان برغبة من زوجته المغربية. وكانت هذه المسألةُ واحدةً من محطّات كثيرة توقّفَت عندها الابنةُ في كتاب سيَري أصدرته عام 2015 بعنوان "حيوات محمّد أركون".

شكوكٌ حول حقيقة ترك المفكّر الجزائري وصية بدفنه في المغرب

في هذا السياق، نقل الباحث الجزائري فارح مسرحي، الذي أصدر عدّة مؤلّفات حول فكر أركون، عن شقيق المفكّر الجزائري الراحل قولَه إنّ أخاه كان قد عبّر له عن رغبته في قضاء ما تبقّى من عُمره في مسقط رأسه، وهو ما يُثير شكوكاً في حقيقة وجود الوصية المزعومة.

سيُذكَى هذا الجدل مُجدَّداً بعد أن أُعلن، الأربعاء الماضي، عن توقيع اتفاقية بين "المكتبة الوطنية" في الرباط و"مؤسَّسة محمد أركون للسلام بين الثقافات"، التي تترأّسها ثريا اليعقوبي، تحصُل المكتبة بموجبها على قرابة خمسة آلاف كتاب وسبعة آلاف مجلّة في حقول أدبية وفكرية وعِلمية مختلفة من المكتبة الشخصية للمفكّر الراحل، إضافةً إلى مجموعة من الرسائل والأدوات والمتعلّقات الشخصية.

وخصّصت "المكتبةُ الوطنية" فضاءً يُنتظَر أن يكون بمثابة متحف خاصّ بمحمّد أركون، يُضاف إلى المؤسَّسة التي أطلقتها زوجته بعد رحيله، والتي نشرت أيضاً كتاباً ضمّ الحوارات التي أجراها بعنوان "البناء الإنساني للإسلام"، وموقعاً إلكترونياً يضمّ تسجيلات لحواراته ومحاضراته، إلى جانب وثائق وصور ونصوص لم تُنشَر من قبل.

في منشور له على فيسبوك، كتب الباحث الجزائري بومدين بوزيد إنّ البعض سيُحاول استغلال هذه الهبة العلمية، ليدّعي أنّ الجزائر لم تهتمّ بمفكّرها، أو أنّ السلطةَ ضايقته، مُضيفاً أنّ أركون كان يحضر إلى الجزائر دائماً "معزَّزاً مكرَّماً"، وأضاف: "نتذكّر كيف أنّ المكتبة الوطنية المغربية بها مخطوطاتٌ ثمينة جزائرية انتقلت إليها أو نُقلت إليها بسبب ظروف الجزائر ومحنها، ومنها "مكتبة المشارف" في معسكر، الذين رحلوا هرباً من الاستعمار الفرنسي بعد سقوط دولة الأمير عبد القادر؛ ومن هؤلاء الشيخ سقّاط الذي حمل في رحلته آلاف المخطوطات، كما كان لسقوط الدولة الزيانية في تلمسان أثرٌ في هجرة العلماء والأدباء نحو المغرب وبلدان عربية أُخرى".

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون