في السابع من الشهر الجاري، أعلنت بلدية تستور و"وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية" (وهي مؤسسة تابعة لوزارة الثقافة التونسية) عن بدء أشغال ترميم وتهيئة "مقهى الأندلس" في تستور، وهو معلم ذو طابع أندلسي كمجمل معمار المدينة، بُني في القرن السابع عشر على الأرجح، واستعمل لأغراض متعدّدة في خدمة المسافرين حيث يأتي عند مدخل المدخل المدينة، ثم جرى اعتماده خلال القرن العشرين كمقهى، وبعد إغلاقه بقي مهملاً لأكثر من ثلاثة عقود رغم جمالياته المعمارية.
بعد انتهاء الأشغال، يُنتظر أن يجري تحويل "مقهى الأندلس" إلى مركز لتقديم التّراث الثّقافي لمدينة تستور، وذلك طبقاً لاتفاقية بين "وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية" وبلدية تستور. ويشير المخطط الجديد لمقهى الأندلس إلى إنشاء فضاءات لاحتضان التظاهرات الثقافية وتثمين التراث بالمنطقة.
لا يخرج هذا المشروع عن توجّهات معروفة في تونس بتحويل المباني التراثية إلى مؤسّسات تقدّم خدمات ثقافية أو اجتماعية متنوّعة (دور ثقافة، ودور شباب، ومكتبات...)، كما هو الحال مع إقامة الباي الحسيني في قرطاج، التي نجد فيها اليوم مقر "المجمع التونسي للآداب والفنون والعلوم" (بيت الحكمة)، وبيت ابن خلدون في تونس العاصمة الذي يُعتمد منذ أعوام كأرشيف لـ"معهد التراث".
المدينة في حدّ ذاتها متحف مفتوح لولا التشويهات العمرانية
لهذا الطرح وجاهته، حيث إن مَلء هذه المباني بمضمون ثقافي أو اجتماعي هو نوع من تنشيطها وإعادتها إلى الحياة بوجه من الوجوه، غير أن هذا الرأي تقابله دعوات بإيجاد صيغ جديدة من الاستفادة من المعالم التاريخية بعد ترميمها. وهنا كثيراً ما جرت الإشارة إلى النزعة البيروقراطية التي تحكم هذه المباني بعد الاستفادة منها كمؤسّسات نفعية، حيث يتحوّل النشاط الجديد إلى تغييب للذاكرة الأصلية للمكان، خصوصاً أن المشرفين عليه عادة ما يكونون موظّفين ليسوا على دراية كافية بأهمية هذه المعالم، وقد يعمدون إلى إغلاق بعض فضاءاتها اتقاءً لكل محاسبة في حال تلفت نقوشها أو ترهّل معمارها.
لا يخفى أن الشق الذي يرفض تحويل المعالم التراثية إلى إدارات ومكاتب كثيراً ما يميل نحو استثمارها سياحياً بربطها مع معالم أخرى قريبة لتشكّل مسارات سياحية تفيد المناطق الموجودة فيها اقتصادياً واجتماعياً. لكن يبقى هذا الطرح أيضاً غير بعيد عن الروح البيروقراطية، وعن نزعة مادية تطمس، في كثير من الأحيان، كل ما هو رمزي، الأمر الذي يُهدِر في النهاية الجهود لتثمين المعالم الأثرية والاستفادة منها.
وفي الوقت الذي ننتظر فيه إعادة فتح مقهى الأندلس، ربما تحت مسمّى جديد، لنا أن نتساءل عن حال المدينة التي تحتضنه. هل نجد في تستور حياة ثقافية نشطة واهتماماً جدّياً بتراثها حتى يصبح إنشاء مركز لتقديم التّراث الثّقافي أولوية فيها؟ هل خفي على المشرفين على هذه المشاريع أن هذه المدينة الأندلسية هي في حدّ ذاتها متحف مفتوح لولا التشويهات العمرانية؟ ثم، ما العيب في أن يبقى مقهى الأندلس مقهى؟