مفكرة المترجم: مع معن السهوي

22 يوليو 2022
معن السهوي (العربي الجديد)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "الترجمة هي الطريقة الأكثر عمقاً في قراءةِ أيّ عمل أدبي والتماهي مع كاتبه"، يقول الأكاديمي والمترجم السوري في حديثه إلى "العربي الجديد".



■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟

- بدأت حكايتي مع الترجمة منذ أيام الدراسة في جامعة دمشق، حيث كان لدينا مقرّر ترجمة سنويّ في قسم اللغة الفرنسيّة. بعد التخرّج انخرطتُ في دبلوم التأهيل والتخصّص في الترجمة، حيث اختبرت أنواع الترجمة كافة: العلمية والاقتصادية والقانونية والأدبية، وحتى الفورية. إلا أنّ حكايتي مع الترجمة المهنيّة لم تبدأ لحين طلبت مني زميلتي الدكتورة ماري الياس التعاون معها في ترجمة "الثعالب الشاحبة" للكاتب الفرنسي المعاصر يانيك هاينل. وكانت تلك شرارة البداية، إذ أتاحت لي التعرّف إلى الناشر "دار ممدوح عدوان"، ولاحقاً التعاون مع الدار في ترجمة عدة نصوص أدبية. 


■ ما آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟

- آخر ترجماتي رواية من الفرنسيّة إلى العربيّة بعنوان "ديزيرادا" للكاتبة الفرنسيّة الغوادلوبيّة ماريز كونديه نشرتها دار ممدوح عدوان في بداية هذا العام. وقد صدرت بالتزامن تقريباً مع نشر رواية "الحاجز" للكاتب والأكاديمي الفرنسيّ جان كريستوف روفان عن الدار نفسها. حالياً أعمل على ترجمة "أغنية بروتانية" للروائي الفرنسي جان ماري غوستاف لوكليزيو، وهو العمل الثالث الذي أترجمه لهذا الكاتب.


■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟ 

- يواجه المترجم تحدّيات كبيرة على صُعد عدة، أبرزها عدم قدرته على التفرّغ التام للترجمة التي تشكّل في أغلب الأحيان شغفاً جانبياً، لا يرقى في العالم العربي لأن يكون مهنة أساسيّة. وضعف الدعم المؤسساتي الذي يمكنه أن يتكفّل بالترجمة ضمن مشروع مستقبلي وحضاري؛ يكافئ الجهد المبذول ويحفّز المترجم على الاستمرار في الترجمة. وعلى المستوى اللوجستي، عدم وجود قواميس حديثة مُعتَمَدَة من مجامع اللغة العربيّة وتواكب التطوّر في اللغات التي يُترجم عنها. وبالأخص المعاجم التي تُعنى بالفلسفة المعاصرة والتقنيات الحديثة وبعالمي الحيوان والنبات.

على المترجم أن يتخصّص في مجال معين أقرب إلى ميوله

■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟

- لدى دار النشر التي أتعامل معها قسم تحرير، وأعتقد أنّ نصوصي تعرض عليه بعد أن أنتهي منها. وهو أمر لا أتدخّل فيه. على كلّ حال، مراجعة النّص وتصحيح بعض الهفوات الإملائية أو النحوية هنا أو هناك ضروريان لتقديم ترجمة راقية تحترم اللغة والقارئ. ولكني لا أحبّذ التدخّل في اختيار الكلمات، أو في تعديل الأسلوب دون العودة إلى المترجم. فمحاولة نقل نبرة الكاتب وأسلوبه بأمانة، جزء أساسي لا تكتمل عملية الترجمة دونه. 


■ كيف علاقتك بالناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟

- علاقتي جيدة جداً بالناشر. نتباحث بكلّ كتاب قبل اعتماده، ونتناقش في المدة اللازمة للانتهاء من ترجمته دون أن يؤثّر ذلك في التزاماتي المهنيّة الأخرى. تراودني الآن فكرة طرح عناوين مهمّة من أدب الخيال العلمي الفرنسيّ على الناشر لتشكّل جزءاً من خطط الدار المستقبليّة.


■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟

- لا أظن أنّ البعد السياسي يجب أن يكون عاملاً في اختيار الأعمال من قبل المترجم أو الناشر. على سبيل المثال، عبر استخدامه لحرب البوسنة مسرحاً لأحداث روايته "الحاجز" يطرح روفان تساؤلات عن غاية العمل الإنساني وجدواه، ويخلص في النهاية إلى أنّ ضحايا الحروب يحتاجون ليس لنجدة غريزة البقاء التي تطلب الطعام والسكن فقط، بل أيضاً يحتاجون إلى كرامة الإنسان من خلال تزويدهم بوسائل المقاومة العسكرية. لا أتفق حقيقة مع هذه الطرح الذي يخلط العمل الإنساني بالسياسي، ولكني أرى أنّه يستحق النقاش، وخصوصاً أنّنا نتوجّه إلى قارئ عربي يعيش في سياق سياسي مشابه إلى حد كبير. ما أرفض ترجمته هو النصوص التي تحمل شيئاً من التجييش السياسي الطائفي، وثمة الكثير منها في أدب الرحلات الفرنسي المعاصر.

لا تكتمل عملية الترجمة دون نقل نبرة الكاتب وأسلوبه

■ كيف علاقتك بالكاتب الذي تترجم له؟

- علاقة جيدة في ما يخص جان ماري غوستاف لوكليزيو، صدر لي مؤلفان بالفرنسيّة، ونشرت عدة مقالات حول نتاجه الأدبي والفكري. على الرغم من أنّني أجد صعوبة في ترجمة بعض التراكيب في رواياته، إلا أنّني لم ألجأ إلى التواصل معه إلا مرة واحدة للسؤال عن معنى أحجية كريولية من الموروث الثقافي لسكان جزيرة موريشيوس، وقد أدخلها في روايته "ألما".


■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟

- لا أعتبر نفسي شخصاً يَحظى بموهبة الكتابة الإبداعيّة، وربما لهذا السبب أعمل في الترجمة. الترجمة، وخصوصاً الأدبية، عملية إبداع موازٍ لا تحتاج لإتقان تام للغة وحسب، بل لمعرفة المدلولات الثقافيّة المختلفة التي تكتنفها كلّ لغة، لكونها الحاملة الأولى والأكثر وضوحاً لخيال الشعوب الجمعي. أشعر برضى كبير عندما أستطيع تفكيك استعارات ذات بعد محلّي ضيّق في الفرنسيّة، وإيجاد المرادف الثقافي لها في العربيّة. كما لو كنت متجذّراً في الثقافتين في آن واحد وقريباً من الكاتب الذي أترجم له. أرى أيضاً أنّ الترجمة هي الطريقة الأكثر عمقاً في قراءةِ أيّ عمل أدبي والتماهي مع كاتبه.


■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟

- لا يوجد دعم حقيقي للترجمة في العالم العربي على حسب علمي. الجوائز مهمة وتؤدي دوراً بنّاءً في صعود أجيال جديدة من المترجمين العرب، وتحفيزهم على الاستمرار في بناء جسور التواصل المعرفي بين الشعوب. لا أفكّر في قابلية الرواية لنيل جائزة في أحد المهرجانات أو معارض الكتب كشرط للموافقة على ترجمتها، لكنني سأكون مسروراً جداً إن ترشّح أيّ نص ترجمته لنيل جائزة. 

أرفض ترجمة النصوص التي تحمل تجييشاً سياسياً طائفياً

■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟

- تنقصها خطط ورؤية شاملة للترجمة على المستوى المؤسساتي بالتنسيق مع مجامع اللغة العربيّة، حتى تستطيع هذه اللغة مواكبة التطور في المجالات العلمية والإنسانية كافة. ربما كان على دور النشر والمترجمين والمؤسّسات الداعمة التخصّص في مجالات محدّدة من الترجمة. أنا لا أشجع فكرة المترجم الشامل، بما أنّه لا يمكن مترجماً واحداً إتقان اللغة بمختلف تشعّباتها ومستوياتها كافة. على المترجم إذاً أن يتخصّص في مجال معين -الأقرب إلى ميوله- يبرع فيه ويتمكّن من مصطلحاته وتعابيره. 


■ ما المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟

- الأمانة في الترجمة. أمّا عن العادات، فكلّ كتاب يفرض إيقاعه الخاص، ويفرض أسلوباً معيناً في التعامل معه. إجمالاً، أقوم بقراءة متأنّية للكتاب، وأدرس من خلالها المستويات اللغوية المختلفة التي يجب إيجاد مقابلاتها في العربيّة، بالإضافة إلى الثيمات والشخصيات والأحداث. ولكوني أتعامل مع فضاء روائي أغلبه فرانكوفوني، أحاول تحديد المواضع التي يمكنها أن تشكّل عائقاً كاستخدام الكاتب لكلمات وتعابير كريولية مثلاً. نصوص كهذه تحتاج إلى الكثير من الدراسة والبحث -والاستقراء أحياناً- للوصول إلى المعنى، ومن ثمّ إيجاد التعبير الملائم له في العربيّة. أبدأ ببطء، فترجمة الصفحات الأولى في أي كتاب تمثّل تحدياً كبيراً بالنسبة إليّ، ومبعثاً على الشك في قدرتي على تقديم ترجمة أمينة. لا يتبدّد هذا الإحساس إلا بعد انتهائي من ترجمة الصفحات الثلاثين الأولى، والشعور بأنّي نجحت في الحفاظ على روح النص الأصلي في نسخته العربيّة، فتصبح الترجمة بعدها أقلّ مشقة وأكثر اِمتاعاً.


■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟

- "أسرار العائلة، دليل الاستخدام" لعالم النفس الفرنسي سيرج تيسرون، لأنّ الكتاب لم يجد من يرغب في نشره بكلّ بساطة.


■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما حلمك كمترجم؟

- الدمج بين تأهيلي الأكاديمي وشغفي بتعريف القارئ العربي بالآداب الفرنسيّة الحديثة. إن توافرت الإرادة من دور النشر، يمكن هذه الفكرة أن تَتَحقّق على أرض الواقع من خلال ترجمة الأعمال الكاملة لكتّاب فرنسيّين -روايات لوكليزيو بالنسبة إليّ- وتقديمها إلى القارئ مع دراسات وشروحات وهوامش. على غرار منشورات "لابلياد" في فرنسا المتخصّصة في نشر الأعمال الكاملة لكبار الكتّاب العالميّين، مقدمة ومعلّق عليها من قبل باحثين متخصّصين في الجامعات الفرنسيّة.



بطاقة

مترجم وأكاديمي سوري (دمشق، 1978)، حاصل على دكتوراه في الآداب الفرنسيّة من جامعة باريس (2010). أستاذ مساعد في قسم الدراسات الفرنسيّة بجامعة براون في الولايات المتحدة، ومدرّس سابق في جامعة دمشق. له في الترجمة عن الفرنسيّة: "الثعالب الشاحبة" (2016) ليانيك هاينيل، و"ألما" (2019) و"ثلاث مدن مقدسة" (2020/ الغلاف) لجان ماري لوكليزيو، و"الحاجز" (2021) لجان كريستوف روفان، و"ديزيرادا" (2022) لماريز كونديه.

وقفات
التحديثات الحية