تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "بحاجة لإبقاء الكاتب بشكل واع تحت السيطرة خلال الترجمة" يقول المترجم المصري في حديثه إلى "العربي الجديد".
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
لم أكن قبل 2019 أفكّر في الترجمة قط، جلّ تركيزي كان مُنصبًا على كتابة الأدب. منشورات "تكوين" كانت قد اشترت حقوق ترجمة كتاب "البطل بألف وجه" لجوزيف كامبل، وكانوا يبحثون عن مترجم ذي خبرة بالكتاب ومحتواه بسبب تعقيده الشديد، ولأني كنت قد كتبت مقالًا من قبل على منصة "منشور" استشهدتُ بالكتاب، سألوني إن كنت مهتمًا بالترجمة... فكرتُ أني سأترجم هذا الكتاب فقط حبًا فيه، لكني أدركت أني أحبّ الترجمة بقدر قد يقارب حبي لكتابة الأدب، وسرعان ما صار هذا مشروع عمري الموازي لمشروعي الأصلي في الكتابة.
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
آخر ما نشرتُ كان مجموعة قصصية للكاتب الأميركي كورت فونيجت بعنوان "أهلا بك في بيت القرود"، وهي ترجمتي الثانية للكاتب بعد روايته "إفطار الأبطال"، ولا أخفيكم سرًا عندما أقول إني أتمنى لو ترجمتُ كامل مشروع كورت فونيجت للعربية. وفي نفس التوقيت نشرتُ "أساطير إسكندنافية" للبريطاني نيل غايمان، استكمالًا لاهتمامي ومشروعي الخاص في ترجمة مشاريع الميثولوجيا الأدبية، وربما كتابة بعضها ذات يوم. وأترجم الآن كتابًا ثانيًا لجوزيف كامبل يقدم رؤية أعمق لعلاقة البشر بالميثولوجيات القديمة، وخاصة علاقته بالربّات الأنثوية في الحضارات القديمة.
■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
كيف أجيب في بضعة أسطر عن سؤال لا تكفي إجابته صفحات؟ إليك عيّنة: شيوع الترجمات السيئة من المترجمين الرديئين، وذلك ناتج عن عقبة أخرى وهي ضعف العائد المادي الذي تدفعه بعض دور النشر، فتفضّل اللجوء لمترجم غير مقتدر بمقابل زهيد عن اللجوء لمترجم محترف (ناهيك عن ضعف العائد حتى للمترجم المحترف). انتشار الترجمات السيئة أدّى لعزوف كثير من القراء عن قراءة المترجم أصلًا والسعي للقراءة باللغات الأصلية أو الوسيطة غير العربية. اللغة العربية ذاتها أحياناً عقبة، فبقدر ما هي لغة شديدة الثراء في التعبير في مواطن عدة، يصعب استخدامها لترجمة أو حتى كتابة الحوار بين البشر العاديين، لأنها لم تعد مستخدمة في مثل هذه الحوارات منذ عدة قرون، وتأبى أن تتطوّر لتستوعب التجديد.
■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
المشكلة أن وظيفة المحرّر هي وظيفة ضبابية في النشر العربي، لا يوجد شكل معيّن أو تأهيل معيّن للمحرر في دار النشر، في بعض مشاريعي تعاملتُ مع محررين أدين لهم بتعلّم أغلب ما أعرفه، وفي بعضها تعاملتُ مع محررين أدين لهم بتعلم كل ما يجب تجنّبه. نفس الشيء في الكتابة الأصلية. المحرّر الذي يجيد عمله هو أعظم شخص يمكن أن يقابله المؤلف أو المترجم، لكن هؤلاء في عالم النشر العربي أقل من أصابع اليد الواحدة.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
كل ناشر تجربة مختلفة ومتفرّدة، لم أمرّ بنفس التجربة مع أكثر من ناشر. لكني أعترف أني كنت محظوظًا إلى حد كبير مع أغلب من تعاملتُ معهم من ناشرين. عمومًا النقطة الأساسية في اختيار العناوين المترجمة هي: المترجم القديم/ المعروف/ المثقف (وهذه بالذات تحتاج لإثبات غير سهل) يكون له قول كبير في اختيار أعماله بل وقد يساهم في تشكيل مشروع ترجمة الدار التي يتعامل معها لو تكوّنت بينهم ثقة كبرى متبادلة، لكن المبتدئ أو المتواضع (وأحيانًا المحترف الذي لا يهتم) يقبل (أو يضطر للقبول) بأغلب ترشيحات الناشر.
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
المترجم رسول لا يُسأل عن رسالته. لو أني ترجمتُ كتابًا لهتلر لن يعني ذلك أني نازي. معاييري الأساسية لاختيار وقبول مشاريع الترجمة هي جودة النص المكتوب، وتقديمه لطرح مثير للاهتمام حتى لو أرفضه. الطرح السياسي ليس عاملًا رئيسيًا في اختياري للنص في أغلب الأحوال.
■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
لم أحتج حتى الآن للتواصل مع الكاتب، والمؤلفين الذين تمنيتُ لو كنت على صلة بهم وأنا أترجم لهم، كورت فونيجت وجوزيف كامبل، للأسف قد غادرا عالمنا. لكن هناك مشروع لا يزال في أحشاء صناديق بريد الناشر العربي والوكيل الأجنبي لترجمة كتاب أحب مؤلفه كما لو كان 'روكستار' وأنا عاشقة مراهقة، وبالفعل تبادلتُ معه عدة رسائل. لو تم الاتفاق وشرعتُ في ترجمته أعتقد أني لن أتوقف عن التواصل معه إلا لو أرسل لأبي نفسه طالبًا منه جعل ابنه يكف عن مضايقته.
■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
العلاقة مرتبكة بلا شك. كوني مترجماً جعلني كاتبًا أفضل، قوّى علاقتي باللغة وبنيتها وشكلها، وكوني كاتباً ساعدني على تقديم النص المترجم بشكل أفضل، محاولًا الوصول به كما لو أنه كتابة أصلية في اللغة الهدف (العربية في حالتنا). لكني بحاجة لإبقاء الكاتب بشكل واع تحت السيطرة خلال عملية الترجمة، لو تركت له العنان لتدخل في النص تدخلاً غير محمود.
■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
شيء جميل ومحفّز. الجوائز الأدبية عمومًا أمر طيب. ثمة جدل عليها لأسباب متعددة، سواء على الجوائز بشكل عام أو على كل منها بشكل خاص، لكن تظل حافزاً طيباً وتقديراً معنوياً ومادياً يحتاج له المترجم أو الكاتب. ربما لو كنا في عالم مثالي ينال كل منا التقدير الذي يستحقه بالضبط على عمله ما كنا لنحتاج إلى جوائز.
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
لا أعتقد أن هناك قواعد للترجمة، كل ما اعتبرته قاعدة يومًا ما اضطررتُ لكسرها لاحقًا. المبادئ كلمة أدق، أو كما يقولون في الإنكليزية "قواعد إصبع الإبهام". المبدأ الأساسي بالنسبة لي هو التقمّص، تقمّص شخصية المؤلف الأصلي وكأنه يكتب نصه بالعربية. بالطبع هذا مبدأ مائع جدًا لا يمكن إمساك رأسه من ذيله، وتأويله فضفاض جدًا لدرجة تسمح بأي شيء، لكن هذا بالضبط هو حال الترجمة الأدبية. الحياة ستكون أكثر صرامة مع مترجم تقني متخصّص في مجال ما حيث لكل كلمة مرادفة واحدة، لكن في الترجمة الأدبية لا تعني white بالضرورة أبيض، قد تعني أي شيء... المترجم صاحب مبدأ الترجمة الحرفية سيترجمها بلا شك أبيض، وهو محق في أغلب الأحوال، لكن ثمة أحوال عديدة قد تعني فيها الكلمة أي شيء. هذا أمر مرهق ومربك، لكنه ممتع.
■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
لم أندم على ترجمة نص، كل نص أضاف لي شيئًا لم يكون موجودًا. ندمتُ فقط على سذاجتي في البدايات وتأثري بإغراءات أحد الناشرين بالإسراع في ترجمة نص ما كي أعمل على نص آخر أكبر وأهم وأفضل، فوقعت كغر ساذج في فخ التسرع وصدرت عني أخطاء مخجلة في الترجمة، اكتشفها المراجع لحسن الحظ قبل النشر، واتضح أن النص الذي وعدني به الناشر كان الجزرة التي يغري بها الـ.... المترجم الساذج.
■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟
أتمنّى أن تتطوّر اللغة بمعجزة ما لتستوعب الكثير من فصاحة اللهجات المحلية، أن تكتسب روحًا جديدة، وإلا ستنقرض أمام مدّ اللهجات العربية المحلية واللغات الأجنبية التي يتعلمها الصغار الآن كلغة أولى في المدارس. وحلمي كمترجم لا يختلف عن حلمي ككاتب، وهو المساهمة في إثراء المكتبة العربية بمزيد من النصوص الذكية المعاصرة المجددة، سواء خيالية أو واقعية، تمنح أولئك الذين لا يجدون راحتهم إلا مع الحروف المزيد من ساعات الروقان. هزة رأس راضية وتمتمة خافتة بحروف كلمة "يا سلام" من شخص قرأ لي نصًا أصليًا أو مترجمًا، هي عندي أعظم من كل الجوائز الأدبية والحوافز المادية (وإن كان هذا لا يعني أني أرغب في هذا وذاك أيضًا).
بطاقة
كاتب ومترجم مصري، من مواليد عام 1992، صدرت له روايتان: "كتاب خيبة الأمل" و"طيران"، وتسعة عناوين مترجمة عن الإنكليزية أبرزها: "البطل بألف وجه" لـ جوزيف كامبل، و"إفطار الأبطال" لـ كورت فونيجت، و"أساطير إسكندنافية" لـ نيل غايمان.