تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "تطوُّر الترجمة يعتمد على خلق إطار مؤسّساتي يُدرك أهميتها في التواصل الحضاري ونقْل المعرفة"، يقول المترجم الأردني في حديثه إلى "العربي الجديد".
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
- كانت البدايات أثناء دراستي الجامعية في مرحلة الماجستير، إذ قُيّض لي دراسة اللغة الفارسية وآدابها في موطنها الأصلي وبين أهلها، وكان هناك أستاذة جامعية تعمل على تحقيق رائعة الفرس الملحمية "الشاهنامه" بالاعتماد على ترجمة "البنداري" العربية، فعرضَت عليّ التعاون معها في ترجمة النص العربي وحصر الاختلافات والفروقات ما بين الترجمة العربية والأصل الفارسي، وتمكنّا من إنهاء العمل ونشْر الكتاب، فكانت هذه البدايات التي شجعتني على الاستمرار في الترجمة لِما وجدته من متعة وفائدة في هذا العمل، ولإدراكي أهمية الترجمات العربية القديمة عن الفارسية في حفظ كثير من الآثار الفارسية التي إمّا فُقدت أو أنه شابها التصحيف والتحريف بلغتها الأصلية.
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
- آخر ترجماتي كانت مختارات قصصية نقلتها عن الفارسية إلى العربية وعنوانها "غرف غارقة في الصمت والظلام" وتتضمّن تسعة نصوص قصصية لستّة من أبرز كتّاب إيران، وركّزت هذه المجموعة على معاناة المرأة الإيرانية، وما تواجهه من اضطهاد في الحياة الاجتماعية، ونشرتها "دار خطوط وظلال" مع نهاية عام 2021. أمّا الآن، فأعمل على ترجمة كتاب "كيف أسلَم الترك" عن الفارسية للباحث عباس جوادي، والسبب في اختيار هذا العنوان هو افتقار المكتبة العربية لمثل هذا الأثر، وأهميته في بيان الأسباب الحقيقية وراء دخول الترك الإسلام.
■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
- في الحقيقة، ثمّة عقبات تواجه المترجمين العرب، بعضها يتعلّق بالمترجمين أنفسهم، كعدم تمكّن بعضهم من اللغة المصدر واللغة الهدف، وتثاقلهم عن تطوير أنفسهم في مجال توليد المصطلحات وتوحيدها، ومعرفة دقائق العناصر الثقافية الخاصة باللغة المترجَم عنها، وعدم جدّيّتهم في إيجاد ما يقابلها في اللغة العربية، فالترجمة سلاح ذو حدين ويمكنها أن تشوّه أحياناً اللغة العربية، فعلى سبيل المثال تسلّلَت إلى اللغة العربية حكم وأمثال وأقوال مأثورة أجنبية عن طريق الترجمة وشاع استعمالها بين الناس، ناهيك عن قبول بعض المترجمين، ولأسباب مادية، بترجمة أعمال تُعرض عليهم من قِبل دور النشر خارج اختصاصهم وقناعاتهم.
تطوّر الترجمة يعتمد على خلق إطار مؤسّساتي يدرك أهميتها
وهناك بعض العقبات ترتبط باستغلال بعض دور النشر للمترجم، وغياب المؤسّسات الرسمية والمدنية التي ترعى الترجمة وتدعمها، وشحّ الجوائز الممنوحة للمترجمين، وافتقار كثير من الجامعات العربية مراكز متخصّصة في الترجمة تتولّى النقل عن اللغات الأُخرى، وقلّة عقد دورات ومؤتمرات في حقل الترجمة، كذلك وفرة المترجمين وقلّة الإنتاج العلمي والأدبي المتميّز في اللغة المترجَم عنها، وغياب النقد البنّاء للأعمال المترجمة من قبل المترجمين أنفسهم، إضافة إلى الرقابة التي تفرضها بعض البلدان على الأعمال المترجمة لعدم توافقها مع سياساتها.
■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
للمحرّر دور كبير في إخراج الترجمة في أبهى صورها وتقريب النص المترجم من خصائص اللغة المترجم إليها، وأعتقد أنّ المحرّر هو شريك للمترجم لا يمكن الاستغناء عنه، وأفضل أنواع الترجمة هي التي ينجزها المترجم المحرّر، أيّ أن يكون المحرّر متمكناً من اللغة المترجَم عنها.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
- أنا أكاديمي في الدرجة الأولى، وتأتي الترجمة في المرتبة الثانية ولا أعتمد عليها كمصدر رزق. لذلك أختار ما يروق لي من الأعمال لترجمتها، وحصل أن عُرضت عليّ أعمال مدفوعة الأجر من قبل دور نشر لترجمتها إلّا أنني رفضتها، لأنّ الغرض من ترجمتها تحقيق أهداف أيديولوجية.
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
- ألتزم بترجمة الأعمال التي تقع في دائرة تخصّصي، من أدب وتاريخ وتصوُّف وفلسفة، ولا أخرج عنها، وبما أنه لا يمكن فصْل الأدب عن السياسة، ولكلّ كاتب موقف سياسي يظهر في أعماله، فإنني أتعامل مع مواقف الكاتب السياسية بشكل حيادي، وأنقلها كما وردت في نصّ الكاتب دون زيادة أو نقصان.
■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
- إذا كان هذا الكاتب على قيد الحياة، أحاول التواصل معه وطلب مساعدته في توضيح المسائل التي تشكل عليّ في الترجمة، فمعرفة المترجم للمؤلّف لها دور كبير في تقريب النص المترجم من أصل العمل، وأضرب مثالاًَ على ذلك ترجمتي لكتاب "تاريخ إيران الأسطوري" لـ جاله آموزجار؛ أستاذتي في "جامعة طهران"، إذ لم أجد أيّة صعوبة في الترجمة ومردُّ ذلك إلمامي بأسلوب الكاتبة وطريقة تفكيرها، وأحيانا يعيش المترجم مع الكاتب لحظةً بلحظة ويرافقه في كتابة نصّه، ويشعر به في ألمه وفرحه، وقد مررتُ بهذه التجربة عند ترجمتي لـ"رحلة حسام السلطنة إلى مكّة".
■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
- الكاتب المترجم مهما فعل لا يستطيع أن يحيّد أسلوبه الأدبي الخاص ويُبعده عن عمله في الترجمة، ومع أنّني لست كاتباً، إلّا أنّني لا أحبّذ أن يفرض الكاتب المترجم أسلوبه الخاص على الترجمة ويتجاهل أسلوب كاتب العمل الأصلي. ميزة الكاتب المترجم أنّه الأقدر على فهم أسلوب صاحب العمل المترجم وإظهاره في النص المترجم على خير وجه.
■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
- لا شكّ أن جوائز الترجمة تشكّل دافعاً وحافزاً للمترجمين، وتنمّي روح التنافس بينهم، فهي حقّ مشروع لكلّ مُجدّ ومُثابر في عمله، إلّا أنها شحيحة في وطننا العربي، وتحتاج إلى دعم المؤسّسات الرسمية والمدنية في البلدان العربية، من وزارات وجامعات واتحادات وجمعيات.
الكاتب المترجم مهما فعل لا يستطيع أن يحيّد أسلوبه
■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
- هناك غياب شبه تامّ لمؤسسات تعمل على استقطاب المترجمين وتنظيم شؤونهم وتوجيههم لترجمة الأعمال الأكثر أهمية ومساعدتهم في تحرير أعمالهم ونشرها، وقد يكون السبب هو عدم إيمان البعض بأهمّية الترجمة ودورها في التواصل الحضاري ونقل المعرفة، وأشير هنا إلى أنّ بعض البلدان العربية كان لديها مشاريع ضخمة في الترجمة عملت على نقْل مئات الكتب إلى العربية، غير أنّ أداءها قد تراجع في الوقت الحاضر؛ لشحّ مواردها المالية وانقطاع الدعم عنها.
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
- كأيّ مترجم، أتعرّف أوّلاً على المؤلّف والكتاب من خلال الدراسات المنجزة حولهما، يلي ذلك قراءة الكتاب واستيعاب مضمونه وأسلوبه، ومعرفة درجة أهمّيته للمكتبة العربية، وبعد إنهاء الترجمة أتثبّت من إيجاد النظائر المناسبة للعناصر الثقافية الواردة في النص المترجَم وتقريبها من بيئة القارئ العربي، وانسجام أسلوب الترجمة مع خصائص اللغة العربية وطبيعتها.
■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
- في الحقيقة، أنا فخور بكلّ الترجمات التي أنجزتها رغم قلّتها، ولا يوجد بينها عملٌ ندمت على ترجمته، فكلّ ما ترجمته كان بمحض إرادتي الشخصية دون أدنى تدخُّل من أحد.
■ ما الذي تتمنّاه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟
- يتّفق الجميع على أنّ وضع الترجمة في الوطن العربي في حالة ركود، وأنّ تطوّر الترجمة يعتمد على خلق إطار مؤسّساتي يدرك أهميتها في التواصل الحضاري ونقل المعرفة، وأتطلّع إلى ذلك اليوم الذي تعُاد فيه أمجاد العرب في حقل الترجمة، خاصّة أن الله سبحانه وتعالى أنعم علينا بمحيط لغوي يستوعب المنجزات البشرية الحضارية على مختلف ألسنتها.
بطاقة
أكاديمي ومترجم أردني من مواليد إربد عام 1969. حاصل على دكتوراه دولة في اللغة الفارسية وآدابها من "جامعة طهران". وصدرت له ترجمات عدّة؛ من بينها: "فريدة الأصقاع في ترجمة سلوان المطاع" (2005)، و"تاريخ إيران الأسطوري" (2011/ مؤلّف مشترك)، و"مصادر التصوّف الإيراني" (2018/ مشترَك)، و"غرف غارقة في الصمت والظلام" (مختارات قصصية، 2020)، و"رحلة مكة" (2021) لمراد ميرزا. له قيد الطباعة عملٌ بعنوان "نحن وإقبال".