مفكرة المترجم: مع رعد زامل

09 مايو 2021
رعد زامل
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "لا يزال اختيار عناوين الكتب التي ينبغي نقلها إلى العربية متروكاً لذائقة المترجمين ولأهواء الناشرين"، يقول الشاعر والمترجم العراقي في حديثه إلى "العربي الجديد".

 

■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟ 
كتابة الشعر همي الأوّل. أما الترجمة، فهي محطة للتزوّد بالثقافة والمعرفة. تولّدت كرغبة في ترسيخ مشروعي الثقافي. العزلة أيضاً لها دورها الضاغط لإنتاج عمل مثمر. نحتاج إلى إقامة علاقة مع كتاب جديد نحن المَنسيين على رفوف الحياة. من هنا تتولّد لدينا أكثر من رغبة جامحة لتعريب كتاب من ثقافة الآخر. كتاب يولد وفيه شيء من ملامحنا.

■ ما آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
أنجزت ترجمات ثلاث روايات من الأدب الإنكليزي الحديث، وانتهيت أخيراً من كتاب "اللسانيات والشعرية والسيميائية" للمُنظّر رومان ياكوبسن، ولهذا الكتاب أهمية كبيرة لأسباب عديدة، منها قصور بعض الترجمات التي حاولت تعريب هذا المنظّر الذي اتسعت على يديه طرائق اللسانيات الحديثة، في حلقتي موسكو وبراغ. يقول عنه المؤرخ إيفانوف: "إنَّ ياكوبسن ينتمي إلى ذلك الاتجاه القوي في ثقافتنا، الاتجاه الذي هو أكبر من مجرّد اللسانيات والدراسات الأدبية، الاتجاه الذي يفسّر الثقافة بطريقة جديدة ومغايرة عندما لا نجد من يفكر فيها".                                   

■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟ 
ليست هناك مؤسّسات تزوّد المترجم بالكتب المهمة التي تحتاجها ثقافتنا، فالأمر متروك لذائقة المترجمين ولأهواء الناشرين واعتقادهم أنّ هذا الكتاب أو ذاك سيحقق لدارهم ربحاً معقولاً. يبقى المترجمون جنوداً مجهولين في مشهدنا الثقافي العربي. إضافة إلى ذلك، هناك الاختلافات التي تواجهنا في تعريب المصطلح النقدي وعدم المراجعة النقدية الصارمة التي تضع النصوص المترجمة تحت المجهر وتفحصها بدقة، خاصة ما نطالعه الآن من اختلافات في ترجمة الشعر التي تسيء في بعض محاولاتها أحياناً إلى النص الأول.

في ظلّ غياب المؤسسات، الأمر كلّه متعلق بالصدفة وحدها 

■ هناك قول بأنّ المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
هذه نقطة مهمة جداً. أحياناً يتدخل المحرّر ويقوم بتغيير عبارة أو حتى عنوان كتاب، وهو ينطلق هنا من وجهة نظر تجارية، فهدفه الأوّل انتشار الكتاب وتحقيق الربح للدار، وقد يتقاطع هذا مع رؤية المترجم الذي تكون الأمانة الفكرية والأخلاقية همّه الأول والأخير، كما قد لا يحدث مثل هذا التقاطع، وبما أنّ الأمر وارد، فأنا لا أطمح إلى أن يُحرَّر العمل من بعدي.

■ كيف علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
الأمر كله متعلق بالصدفة وحدها في ظلّ غياب المؤسسات التي من شأنها أن تتعاقد مع مترجمين لهم باع وخبرة طويلة. وبعض الناشرين يتعاملون مع المترجم وكأنّه أجير يُدفع له ثمن مقابل خدماته، رغم أنّ القضية ليست هكذا في الأساس، إذ ينبغي أن تكون هناك هموم ثقافية مشتركة تخدم مسيرة المشهد الثقافي العربي بعيداً عن معايير الربح والخسارة.

■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك الأعمال التي تترجمها، وإلى أيّ درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟ 
لا أميل إلى ترجمة الكتب السياسية، لأنّ همي الأوّل هو الأدب، مع ذلك، لا شأن للمترجم بالموقف السياسي للكتاب، فالمترجم مجرد ناقل، ولا اعتبارات تقع على المترجم سوى الأمانة الفكرية.

■ كيف علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
في ترجمة كتاب "الأخلاق والدين" لهاري جنسلر، كانت لي تجربة جميلة مع هذا المؤلف عبر حوارات ثقافية جانبية تتولد من خلال عملي على تعريب كتابه، وعبر هذه الحوارات تتفتح لك آفاق أخرى ومعرفة إضافية. فالترجمة انفتاح وامتداد وتفاعل.

■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
أعتقد أنّ المترجم الأديب يسهُل عليه القيام بدوره بشكل أمثل. من مؤهلات المترجم الناجح أن يكون مُلمّاً بلغته الأم، وهو ما يتوافر لدى من هم كتّاب منتجون. أضرب مثل ترجمة الشاعر العراقي حسب الشيخ جعفر لأعمال الشعراء الروس مثل يسينين ومايكوفسكي. كانت ترجمات ناجحة، وقد شكّلت إضافة مهمة لمشهدنا الشعري العربي من بين ترجمات أخرى لشعراء بارزين.

ولادة كتاب جديد على رفوف المكتبة العربية أهم جائزة

■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
جوائز الترجمة قليلة جداً. لم ألتفت يوماً إلى السعي وراء جائزة، فأنا أعتقد أنّ ولادة كتاب جديد على رفوف المكتبة العربية أهم جائزة على الإطلاق.

■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية، وما الذي ينقصها برأيك؟
ينبغي أن تتعدّد المؤسسات التي تُعنى بالترجمة. لا بدّ من وجود مؤسسة في كلّ مدينة تتابع المترجمين وتوفّر لهم الكتب الجديدة. مؤسسة تفتح أمامهم الآفاق. على مؤسساتنا الثقافية اليوم أن تهتم بالمترجم، على الأقل لا تترك المترجم يمارس أعمالاً بعيدة عن الترجمة في سعيه إلى كسب معيشته. بكلام آخر، على المؤسسات الرسمية أن تتكفل برعاية المترجم في كلّ شيء مقابل أن يتفرّغ تماماً للترجمة. 

■ ما المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معيّنة في الترجمة؟
في الغالب لا أترجم عملاً لا يثير إعجابي، أي لا بدّ من أن يتوافر العمل على قيمة فنية عالية، ومن أكثر العادات تكراراً ورسوخاً معي أنّني في غمرة العمل على الترجمة أنسى ما حولي، فكلّ روحي مشغولة ومشدودة إلى العمل، خصوصاً إذا كان أثراً أدبياً مهماً. 

■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
أحياناً النصوص الدينية تسبّب القلق، وذلك لحساسيتها. ما عدا ذلك، ليس هناك ندم على ترجمة كتاب، فهو ولادة تشبه ولادة أيّ كائن حيّ. 

■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية، وما حلمك كمترجم؟
أتمنى أن تتسع دائرة فاعلية وتأثير المؤسسات الثقافية المعنية بالترجمة في الوطن العربي، وأن تتمكن هذه المؤسسات من تذليل الصعوبات التي تواجهنا وأن تواكب حركة العالم السريعة. ويبقى حلمي كمترجم أن أحظى بترجمة عمل أدبي يستحق أن يرسخ في ذاكرة القارئ العربي.

 

بطاقة

شاعر ومترجم عراقي من مواليد 1969. حصل على بكالوريوس آداب في اللغة الانكليزية من جامعة بغداد سنة 1994، ويعمل في التدريس. من إصداراته الشعرية: "أنقذوا أسماكنا من الغرق" (2009)، و"خسوف الضمير" (2014)، كما صدرت أعماله الشعرية (1998 - 2019) عن دار سطور في 2020. ومن ترجماته: "محاربو قوس قزح" للروائي الإنكليزي اي دي هارفي عن "دار نينوى" (2017)، و"الأخلاق والدين" لـ هاري جنسلر عن "دار الرافدين" (2017)، و"كيف تموت الديمقراطيات" لـ ستيفين ليفيتسكي عن "دار سطور" (2020)، وصدرت منذ أيام ترجمته لكتاب "اللسانيات الشعرية السيمائية" لـ رومان ياكوبسن عن دار شهريار.

 

وقفات
التحديثات الحية