مفكرة المترجم: مع إيمان معروف

06 يونيو 2023
إيمان معروف في بورتريه لـ أنس عوض (العربي الجديد)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "الترجمة المؤسّساتية هي الأساس، كونها تُتيح المجال لترجمة أعمال ضخمة يعجَز الأفراد عن إنجازها"، تقول المترجمة السورية في حديثها إلى "العربي الجديد".


■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟ 
بدأت حكاية الترجمة في سنّ الثالثة عشرة بدافع الفضول الطُّفولي لفهم كلّ ما حولي، لا سيّما الأغاني الإنكليزية الرائجة في ذلك الحين. وأتحدّى نفسي بمتابعة الأفلام دون ترجمة عربية. لاحقاً تحوّلتِ الحكاية إلى مصدر دخلٍ أُخفّف من خلاله بعض العبء عن كاهل الأهل. كنتُ في السنة الثالثة من دراستي الجامعية في كليّة الصيدلة، عندما لاحظتُ تأفُّف زملائي من الأبحاث والواجبات التي تتطلّبُ ترجمة فصولٍ من المراجع الطبّية والصيدلانية إلى العربية، فكانت فرصة جيّدة لاختبار مهارتي في هذا المجال. لاحقاً، ومع تطوّر خبرتي ومطالعاتي، دخلت عالَم ترجمة الكتاب رسمياً عام 2019، وتلك حكاية أُخرى.


■ ما آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجمين الآن؟
صدرت مؤخّراً عن "منشورات تكوين" ترجمة كتابٍ مؤثّر جداً، بعنوان "الحياة الخالدة لهنرييتا لاكس" للكاتبة الصحافية ريبيكا سكلوت، والذي تحوّل فيلماً من بطولة مقدّمة البرامج العالمية أوبرا وينفري. وأعمل حالياً على كتاب آخر مع "منشورات تكوين" أيضاً، أعتقد أنه سيثير دهشة القارئ حرفياً. 


■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟ 
الترجمة فنّ، وكلّ فنّ يحتاج تربة مواتية للإبداع، وقوام هذه التربة الوقت والصبر والانغماس في روح الكاتب والكتاب الذي بين يدي المترجم. في نظري يُعاني المترجم العربي على الصعيد الشخصي من ضيق الوقت، واستغلال بعض الجهات لتعبه دون مقابلٍ مُنصف، ناهيك عن التسويف في سداد الأجر، وهذا عكس ما أمرنا به النبي "أعطُوا الأجيرَ أَجْرَه قبلَ أن يجِفَّ عَرَقُه". عموماً، أميل إلى تجنّب تقييد المترجم بقوانين تحوّل الترجمة إلى مهنة كباقي المهن. أُفضّل أن تبقى موهبة حرّةً مزاجية، شرط أن يتمكّن المترجم من أدواته طبعاً.

أحاولُ التغلغُل في دماغ الكاتب وتخيُّل نبرة صوته


■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
التحرير مهمّة دقيقة وصعبة للغاية، ولا أظنّ أنّ بوسع أيّ شخصٍ إتقانها ببساطة، وهنا تكمن المشكلة. خلال الترجمة أحرص قدر استطاعتي على تجنّب الركاكة والأخطاء اللغوية والسياقية. ولكنْ، يسرُّني جداً أن يُراجع عملي محرّر مبدع يضع لمساته الدقيقة الذكية على عملي ليخرج بأفضل صورة للعلن. بعض المحرِّرين مبدعون فعلاً. لا يوجد عادةً شخص بعينهِ يحرّر ترجماتي، وهذا أمر يعود تقديرُه لدار النشر التي أتعامل معها، لكنْ عموماً لا مانع لدي من التعاون مع محرّر محترف إنْ كان ثمّة ضرورة لذلك. 


■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
أعترف أنّ الله منحني إلى اليوم شرف التعامل مع نخبة من الناشرين المُحترمين والمهنيّين جداً، وسعيدة بكلّ العناوين التي اختاروها لي أو اخترناها معاً. لقد تعلّمت منهم الكثير، لذلك لا أتردّد في القول إنّ علاقتي مع بعضهم علاقة التلميذ والمعلّم، وعلاقة الأصدقاء والأهل أيضاً. 


■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمينها، وإلى أي درجة تتوقفين عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
عندما شرعت في ترجمة كتاب "المُعلَن والخفي" السيرة الذاتية لوزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد، لصالح "دار الرافدين"، وقفتُ أمام هذا السؤال مطوّلاً. أنا أترجم سيرة شخص كان من الذين اتّخذوا قرار شنّ الحرب على العراق، وترد في مذكراته عبارات فيها مغالطات وربّما إساءة علنية لشخصيات حسّاسة في الوطن العربي. ولكنْ، إن لم تكن مهمّة المترجم نقل هذه الصورة بكل شفافية وأمانة للقارئ العربي، فما مهمّته إذن؟ أنا أترجم وأنقل ما قيل وكُتب، ولا أطرح آرائي الشخصية ولا ميولي من خلال ترجماتي على الإطلاق، ولا حتّى من خلال تعليق هامشي. ومَن حاول أن يحكم عليّ من خلال ترجمة كتبٍ تُعارض أفكاره، أقول: على المرء قراءة عدوّه قبل صديقه.

بعض الجهات تستغلّ تعب المترجِم دون مقابل مُنصِف


■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجمين له؟
حين الشروع في ترجمة أيّ كتاب سياسيّ أو تاريخيّ أو روائيٍّ، أياً كان موضوعه، فإنّني - لا شعورياً - أحاولُ التغلغُل في دماغ الكاتب، وحتى تخيّل نبرة صوته، وأبحث كثيراً عن لقاءات أُجريت معه لأُصغي إليه حين يقرأ فقرات من كتابه. ولكن، أعترفُ بأنني قلّما خُضت حواراً مباشراً مع أيٍّ من الكُتّاب الذين ترجمت أعمالهم.


■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
أوافقك الرأي من ناحية أنّ لكُلّ مترجِم أسلوبه. لكنّ موضوع الكتابة مؤجّل عندي، أو ربما مُستبعَد. أفضّل القراءة في المقام الأول.


■ كيف تنظرين إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
توجد أكثر من مسابقة للترجمة حالياً وعلى مستوى رفيع، بعضها يُطرَح باسم شخصيات عربية بارزة، ومؤسّسات ثقافية عريقة. الجوائز والهدايا عموماً ترفع معنويات الإنسان وتحثّه على إثبات جدارته. أشعر أننا في الوطن العربي نخطو خطوات خجولة في السعي لتكريم المترجم، على الرغم من وجود قامات مذهلة ومترجمين يستحقون التكريم بكل معنى الكلمة.


■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظرين إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
أنا من أشدّ المشجِّعين لمشاريع الترجمة المؤسّساتية، لأنها تُتيح المجال لترجمة أعمال ضخمة يعجَز المترجم الفرد عن إنجازها مادّياً وزمنياً. أتمنّى أن أشارك يوماً في تنسيق مثل هذه المشاريع لأنقل للقارئ العربي مجلّدات في الأدب والفنون. 


■ ما المبادئ أو القواعد التي تسيرين وفقها كمترجمة، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
المبدأ الأول هو الإخلاص للمؤلِّف، وثانياً تجنّب اللغة الجامدة. يوجد صراع بين المترجمين حول أيّهما أفضل: الترجمة الحَرْفية أم بتصرّف. وأنا أميل إلى الترجمة الحرفية التي تلتزم بكلمات المؤلّف، والصُّور التي استخدمها مع الحرص الشديد على احترام اللغة العربية السليمة. أما طقوس الترجمة التي أمارسها فهي طقوس سيّئة لا أتمنّاها لعدوّ، إذ حالما أنغمس في العمل بشغف أنسى الوقت، وتمضي ساعات طويلة مع وضعية الجلوس نفسها وفنجان القهوة البارد. 


■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
نعم. يوجد عمل أو أكثر كرهت كلّ ثانية أضعتها في ترجمته. ومسحتها من ذاكرتي. لكنها أعمال قديمة، لم تكن كتباً كاملة، وتعود إلى بداياتي.


■ ما الذي تتمنّينه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجمة؟
أتمنّى أن نحظى بفرصة نقل الكتب الحديثة إلى العربية، ثمّة كنوز لا بدّ أن نسعى لتوفيرها لأبنائنا بلغتنا العربية الغالية. 


بطاقة

مترجمة سوريّة من مواليد اللاذقية عام 1976، حائزة على إجازة في الصيدلة. لها في الترجمة عن الإنكليزية ما يقرب من عشرين كتاباً، منها: "الديمقراطية: الإله الذي فشل" لـ هيرمان هوبا (2019)، و"كيف يُبرَّر التعذيب" لـ ألكس هوبز (2020)، و"الرأسمالية والطبقية في دول الخليج" لآدم هنية (2021)، و"هذه أميركا" لـ إلهان عمر (2021)، و"عصر الإدراك" لـ فرانس دو وال (2022)، و"الخادم" لـ جيمس سي هانتر (2023).
 

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون