تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم. "أتمنّى أن يكون لدينا حركة ترجمة جادّة لا تلهث فقط خلف الأسماء الرائجة أو التي حصلت على جائزة شهيرة"، يقول المترجم المصري في حديثه إلى "العربي الجديد".
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
- حكايتي مع الترجمة بدأت بشغف تعلُّم اللغة التركية وحبُّي للثقافة التركية بشكل عام. وعندما بدأتُ قراءة الأدب التركي بلغته الأصلية أدركتُ الفرق بين الترجمات التي تصلنا عن لغة وسيطة من ناحية، وقلَّة ما نعرف عن الأدب التركي من ناحية أخرى. بدأت بترجمة بعض القصائد لشعراء أتراك لم يُترجموا إلى العربية من قبل، وشاركتُ الترجمة مع بعض أصدقائي الشعراء، وعندما لاقت استحسانهم بدأت في ترجمة العمل تلو الآخر، حتى التهمتْني الترجمة، وصارت عملي الوحيد الذي أعيش منه وشغفي الذي لا ينتهي.
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
- آخر ترجمة منشورة هي رواية "فندق القسطنطينية" للكاتب والموسيقي التركي زولفو ليفانلي. لكن هناك أربعة أعمال انتهيتُ منها ولم تُنشر بعد، وهي رواية "الشيطان الذي بداخلنا" لصباح الدين علي، و"الدنيا قِدرٌ كبيرٌ وأنا مِغرفة.. رحلة مصر والعراق" لعزيز نيسين، وكتاب "حقائق التاريخ الحديث" للمؤرّخ إلبر أورطايلي، ومجموعة قصصية بعنوان "آخر ضحكات الزمان" للكاتبة فاطمة بربروس أوغلو. وأعمل حالياً على ترجمة رواية بعنوان "عيد العُشَّاق" لأحد أهم الكُتَّاب الشباب في تركيا، الروائي من أصل كردي كمال فارول. تمّ تحويل روايته إلى فيلم بنفس الاسم، وسيتم عرضه على منصّة "نتفليكس" في أيلول/ سبتمبر القادم.
■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
- لا يمكنني الحديث عن عقبات المترجم العربي بشكل عام، لكن في ما يخص الترجمة عن التركية وإليها، فهناك العديد من العقبات. من أبرزها، ندرة القواميس المتخصّصة في العديد من المجالات، والتعامل غير المِهني من قبل أغلب دور النشر العربية، وخصوصاً في مسألة حقوق المترجم المادّية، والتعامل مع المترجم عن التركية أو الفارسية أو أي لغة من اللغات الشرقية الأخرى باعتباره مترجم "درجة ثانية"! يرجع ذلك، في رأيي، لعدم احترام الأدب الشرقي عند كثير من المثقفين العرب والأتراك أيضاً.
عشنا مع الأتراك تاريخاً ومصائرَ مشتركة على مدار قرون
■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
- أؤمن كثيراً بدور المحرِّر في الكتابة بشكل عام وليس فقط في الترجمة. ولم أنشر حتى الآن أيّة ترجمة دون أن أرسلها إلى محرّر أو محرّرَيْن سواء من أصدقائي أو ممّن أثق في عملهم. ولكن أي محرّر نقصد هنا؟ إذا كان المقصود هو المدقّق اللغوي ــ وهذا ما تعتبره أكثر دور النشر العربية محرّراً ــ فهذا أيضاً له دور مهمّ، لكنه شيء آخر غير المحرّر. أنا أراجع ترجماتي لغوياً ويراجعها أيّ مدقق لغوي محترف، لكنّ المحرّر ينبغي أن يكون عارفاً بالمادّة المترجمة إلى جانب مهاراته اللغوية. إلّا أن أغلب دور النشر العربية تخلط بين دورَيْ المدقّق اللغوي والمحرّر، لذلك نجد الكثير من الأخطاء، حتى في الكتب الصادرة عن الدور التي نطلق عليها "كبيرة".
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
- علاقتي مع الناشر العربي ليست جيّدة على الإطلاق، للأسف، في المجمل. كثيرٌ من الناشرين العرب هُم بائعو كتب ماهرون في الدعاية على وسائل التواصل الاجتماعي. بالتأكيد هناك استثناءات، ولكنْ من النادر أن تجد دار نشر عربية لها مشروع ثقافي ما. في الحقيقة، عانيت كثيراً في بداية عملي بالترجمة مع بعض هؤلاء الناشرين، الذين يبحثون عن أسماء "معروفة" للترجمة أو الذين يتهرّبون من دفع حقوق المؤلّف وبالتالي دفع حقوق المترجم. لكنّني أحاول الآن البحث عن تلك الاستثناءات التي تحدّثت عنها، وبشكل عام أنا الذي أختار العناوين التي أحبّ أن أترجمها.
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
- لا أحبّ إقحام مصطلحَيْ "الفن" و"الإنسانية" في الإجابة عن هذا السؤال. أنا يساريّ، أو على الأقلّ أحاول أن أكون كذلك. وبالتالي يختلف هذا الأمر باختلاف مدى ظهور مواقف الكاتب السياسية في عمله. بالتأكيد لن أترجم رواية لأحد الكُتّاب الفاشيين الذين يهاجمون، مثلاً، وجود السوريين والعرب أو غيرهم في تركيا. وإذا قال أحدهم إن هناك عملاً فنّياً جيّداً لكاتب من هؤلاء، وإنّنا بحاجة إلى الاطّلاع على مثل هذه الأعمال، فهناك أساساً مترجمون غيري ممّن يقومون بنقل هذه الأعمال.
أخطاء كثيرة حتى في الترجمات التي تصدرها دور تُسمّى "كبيرة"
■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
- علاقتي جيدة مع الكُتَّاب الذين ترجمتُ لهم. من بينهم المؤرخ إلبر أورطايلي الذي طلب أن أكتب كلّ أسئلتي وألتقي به للإجابة عنها. لكنني بشكل عام أحاول قراءة ما تيَسّر لي من أعمال مَن أترجم له، حتى أكوّن فكرة عامة عن أسلوبه. كما كان الروائي زولفو ليفانلي متعاوناً للغاية معي أثناء ترجمة إحدى رواياته، وكنّا على تواصل طوال فترة الترجمة للسؤال حول الأشياء غير الواضحة. أمّا الكتّاب غير الأحياء، فأحاول أن أبني علاقة معهم من خلال قراءة أعمالهم والقراءة حولهم.
■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
- أنا أكتب الشِعر، ولا أشعر بوجود أي تعارض أو طغيان للكاتب على المترجم أو العكس. حين أكتب الشعر أحاول أن أكون أنا فقط، وحين أترجم أحاول في المقام الأوّل الحفاظ على أسلوب الكاتب، ولا أرى أيّ تعارض في الأمر.
■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
- الجوائز، على قلّتها، دافع معنوي كبير إلى جانب قيمتها المادية التي تجعل المترجم غير مضطر إلى ترجمة أعمال ليس راضياً عنها، من أجل تسديد الفواتير فحسب؛ كما تعكس الجوائز تقدير المؤسّسة الثقافية لعمل المترجم، الذي غالباً ما لا ينتبه إليه أحد.
■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
- تنقص هذه المؤسّسات خطّة الترجمة التي تقترحها لجان مختصّة. فرغم وجود بعض المؤسّسات الخاصّة بالترجمة في العالم العربي في السنوات الأخيرة، إلّا أن مشاريع الترجمة لديها تبدو غير واضحة حتى الآن، وخصوصاً في مجال العلوم الإنسانية.
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
- أترجم مع رفيقتي ملاك دينيز أوزدمير، وهي مترجمة تركية مستعرِبة. وبعد قراءة العمل جيّداً، نقوم بترجمته على ثلاث مراحل؛ الأولى هي ترجمة أوّلية، للعمل بشكل كامل، دون الوقوف عند بعض الأشياء التي تحتاج إلى بحث طويل. في المرحلة الثانية نعود إلى هذه الأشياء لتعديلها، ومقارنة كلّ جملة تركية بمقابلها العربي. وأخيراً، في المرحلة الثالثة، أعمل وحدي على النص العربي بعيداً تماماً عن الأصل التركي. وبالنسبة إلى عاداتي، فأنا أترجم بالنهار وأراجع بالليل، مع كمّيات هائلة من القهوة والسجائر وأغاني محمد عبد الوهاب في العشرينيات والثلاثينيات.
أغلب دور النشر العربية تخلط بين المدقّق اللغوي والمحرّر
■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
- لديّ كتاب ندمت على ترجمته بالفعل، لكنّ المفارقة أن هذا الكتاب هو الأكثر مبيعاً من بين كلّ ترجماتي حتى الآن، ولذلك لا أدري هل أندم على ترجمته أم أنّ هذا ما يحتاجه القارئ العربي بالفعل، وأنا الذي لستُ أدري!
■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟
- أتمنّى أن يكون لدينا حركة ترجمة جادّة، وفق معايير واضحة، ولا تلهث فقط خلف الأسماء الرائجة أو التي حصلت على جائزة شهيرة. لدينا الإمكانيات الكافية في العالم العربي لتحقيق ذلك. تركيا، مثلاً، بلد شرق أوسطي أيضاً، وتعاني من كثير من المشاكل التي نعاني منها، لكنّها تشهد حركة ترجمة قوية في العقود الأخيرة بالعديد من المجالات. وبينما كان القارئ العربي يبحث عن أعمال بالعربية بعد الإعلان عن فوز التنزاني - الإنكليزي من أصل يمني، عبد الرزاق قرنح، بجائزة "نوبل للآداب" عام 2021، وجدتُ له خمسة أعمال مترجمة إلى التركية، قبل حصوله على الجائزة بسنوات، بينما كانت دور النشر العربية تسعى للحصول على حقوقه والبدء في ترجمته.
أمّا عن حلمي كمترجم، فأودّ أن أغيّر الصورة النمطية المتبادلة بين العرب والأتراك، وأن أزيل الجليد الذي تراكم فوق تلك العلاقة خلال سنوات العزلة التي فرضتْها الأنظمة والقوميات على الشعبين اللذين عاشا تاريخاً ومصائرَ مشتركة على مدار قرون.
بطاقة
شاعر ومترجم مصري مقيم في تركيا، من مواليد 1984. صدر له العديد من الترجمات من التركية إلى العربية، من بينها "حقائق التاريخ التركي الحديث" لـ إلبر أورطايلي (يصدر هذا العام)، و"سيّد قطب بين غلوّ محبّيه وظلم ناقديه - اللاهوت السياسي" لياسين أقطاي.
كما صدر، له بالاشتراك مع ملاك دينيز أوزدمير، العديد من الترجمات عن التركية، مثل: "ثلاث سنوات ونصف مع ناظم حكمت" لـ أورهان كمال (المتوسّط، 2020)، و"غجر إسطنبول" لعثمان جمال قايجلي (مرايا، 2021)، و"أيام السلطان عبد الحميد الأخيرة" لناهد سري أوريك (الأهلية، 2021)، و"جثّة تضع حذاء كرة القدم" (الدار العربية للعلوم - ناشرون، 2021)، و"فندق القسطنطينية" لـ زولفو ليفانلي (الأهلية، 2022).
حاز، بمشاركة ملاك دينيز أوزدمير، "جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة" (2020 - 2021) في فرع "الريبورتاج الرحلي المترجم - الرحلة الصحافية" عن ترجمتها لكتاب عزيز نيسين "الدنيا قِدر كبير وأنا مغرفة".