مع غزّة: هيفاء زنكنة

15 مارس 2024
هيفاء زنكنة (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الكاتبة العراقية تشارك تجربتها الشخصية حول تأثير العدوان على غزة على حياتها وإبداعها، موضحة كيف تحولت تفاصيل الحياة اليومية إلى مرارة وكيف أثرت مشاهد الدمار على قدرتها الإبداعية.
- تعبر عن شعورها بالعجز في استخدام الأدب كوسيلة ضد العدوان، مستشهدة بتجربتها خلال غزو العراق وتقر بأهمية الإبداع في دعم المقاومة والتعبير عن الرفض للظلم.
- تختتم بالتأكيد على أهمية الحفاظ على الإنسانية وترابط العمل الإبداعي، السياسي، والنضالي كأشكال من المقاومة، معبرة عن إعجابها بالشخصية المقاومة فيكتور جارا ورغبتها في الاستماع إلى أغانيه.

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "بات لتفاصيل الحياة اليومية مرارة الوجع الذي لا يغادر النفس"، تقول الكاتبة العراقية في حديثها لـ"العربي الجديد".



ما الهاجس الذي يشغلكِ هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- الهاجس الأوّل يتجاوزني إلى وجودنا كشهود على استمرار الإبادة. والهاجس الثاني هو كيف يمكننا العمل على إنهائها؟ وإذا لم ننجح في إنهائها كواحدة من أكبر الجرائم ضد الإنسانية، هل يحق لنا ادعاء الإنسانية؟ 


كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟

- بات لتفاصيل الحياة اليومية مرارة الوجع الذي لا يغادر النفس، كما هو إحساس من بُترت يده فيبقى الإحساس بها. هناك الكثير من التساؤلات المُعلّقة بلا جواب. اندثرت الأجوبة الجاهزة مع الضحايا وركام المباني تحت القصف بأسلحة ومواد حارقة وغازات سامة ستبقى في الهواء والتربة ليتأكّد الصهاينة من إتمام مهمة الإبادة. والإبداع؟ أعيش تراجعه وانزواءه خجلاً من دماء الأطفال والنساء والمقاومين.  


إلى أي درجة تشعرين أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟

- أنا شخصيّاً لم أعد قادرة على كتابة القصة أو الرواية. هذا العجز مررت به في أثناء غزو العراق واحتلاله، والذي أعتبره البروفة التي أجرتها أميركا وحلفاؤها لتنفّذها فيما بعد في غزّة وسورية واليمن وليبيا. صار إحساسي بالعجز الإبداعي أكبر وأعمق إزاء التحالف الأميركي الصهيوني العالمي والأنظمة العربية، المشتركة في وحشية الإبادة في غزّة. موقفي هذا شخصي يستند إلى المجال الأدبي الذي أمارسه والمتميز ببطء التأثير، ولا يمكن أن ينطبق بالضرورة على مجالات الإبداع الأخُرى، من شعر إلى فن تشكيلي وكاريكاتير ويوميات ومدونات، والتي تستحق جميعاً، على اختلاف تنوّعها وتأثيرها المباشر وغير المباشر، الاحتفاء بها باعتبارها مستويات مكمّلة للمقاومة المسلحة.  

انزواء الإبداع خجلاً من دماء الأطفال والنساء والمقاومين


لو قيّض لكِ البدء من جديد، هل ستختارين المجال الإبداعي أم مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟

- يفترض هذا السؤال وجود حرية اختيار شخصية في أجواء تكاد تكون مختبرية في نقائها، فيختار المبدع أن يبقى مبدعاً أو ينتقل إلى مجال آخر. كما يفترض وجود إبداع منفصل كليّاً عن العمل السياسي، ولا أعني الأيديولوجي، والنضالي والإنساني، كأنّنا نعيش في بلدان لا تُقيم فيها توليفة الحروب والحصار والاحتلال منذ عشرات السنين. إذن أجدني، لأنني ابنة هذه الأوضاع، أتنقّل بين كافة المجالات، لأنّني أعتبرها واحدة لا جدران فاصلة بينها.  


ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟

- أن نحافظ على إنسانيتنا.


شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودين لقاءها، وماذا ستقولين لها؟ 

- بودي أن ألتقي بـ فيكتور جارا. الشاعر والمغني والمخرج المسرحي ومؤلّف الأغاني والناشط السياسي التشيلي. ألقي القبض على جارا، الذي كان يبلغ من العمر 40 عاماً، في اليوم التالي للانقلاب الذي دعمته وكالة المخابرات المركزية في 11 أيلول/ سبتمبر 1973، والذي أطاح بالرئيس الاشتراكي سلفادور ألليندي. وكان قد احتُجز مع حوالي 5000 سجين سياسي آخر في ملعب رياضي، حيث تمَّ استجوابه وتعذيبه وقتله. أُصيب بما لا يقل عن 23 رصاصةً. وألقيت جثّته على الطريق العام، حيث تعرّف إليه المارّة وأبلغوا عائلته.

ما الذي سأقوله له؟ لا شيء. سأكتفي بالجلوس بجانبه لأستمع إلى أغنيته التي كان وكأنّه يتنبأ فيها بقتله. تقول الأغنية: 
"فالأغنية لها معنى/عندما تنبض في العروق/ لرجل سيموت وهو يغني/ يغني أغانيه بصدق". ماذا عن الوضع السياسي العالمي الآن، ماذا عن حرب الإبادة في فلسطين؟ بودّي أن أسأله عما إذا كان سيقول "سوف ننتصر" كتحيّة للمقاومة، أو أنّه كما أنهى آخر أغنية له عام 1973 بأبيات تعكس مخاوفه، قائلاً: "العمل على بداية القصة/ دون معرفة النهاية…".



بطاقة

كاتبة عراقية من مواليد بغداد عام 1950. من بين إصداراتها: "حلبجة" باللغتين العربية والإنكليزية (1989)، ورواية "في أروقة الذاكرة" بالإنكليزية (1990)، ثم بالعربية (1995)، و"مفاتيح مدينة" (2000)، و"نساء على سفر" (2001) و"حفلة ثائرة: فلسطينيات يكتبن الحياة" (2017). وفي القصّة: "بيت النمل" (1996)، و"حياة معلبة" (2007). وفي الدراسات: "جدائل شعر العراقيات مضفورة باليورانيوم" (2013)، وبالإنكليزية: و"الحلم ببغداد" (2010)، و"الجلاد في المرآة" بمشاركة رمزي كلارك (2010)، و"النساء والتعلم في منطقة الحرب العراقية" (2017).
 

مع غزة
التحديثات الحية
المساهمون