مع غزّة: داليا سعودي

04 ابريل 2024
داليا سعودي
+ الخط -
اظهر الملخص
- المترجمة المصرية تعكس هواجس إنسانية ونضالية متأثرة بالأحداث في غزة، معبرة عن قلقها تجاه الصمت العالمي وتشدد على أهمية الحفاظ على الإنسانية والذاكرة.
- تؤثر القضية الفلسطينية بعمق على حياتها وإبداعها، معتبرة الترجمة أداة لكشف الحقائق ومواجهة الروايات المضللة، وتؤكد على دور العمل الإبداعي والتوثيقي.
- ترى كل عمل بالكلمة كدور إنساني ونضالي، معبرة عن تقديرها للشخصيات النضالية وموجهة رسائل تضامن لأهل غزة والإنسان العربي، مؤكدة على تأثير الحرب على الوعي العالمي.

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة. "كلّ انشغالٍ بالكلمة يحمل في طيّاته دوراً إنسانياً ونضالياً"، تقول المترجمة المصرية لـ"العربي الجديد".


ما الهاجس الذي يشغلكِ هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
هاجسي العام هو متى ينتهي فعليّاً هذا العدوان الكريه؟ وأين العالم من ضراوة التطهير العِرقي بالقصف والحصار والتجويع والتعطيش والإذلال والاغتصاب. أمّا هاجسي الشخصي فهو أن أحتفظ بإنسانيتي وبقدرتي على مدافعة الغفلة ومقاومة النسيان حتى وإن كان واقعي اليومي يسحبني إلى شطآن بعيدة. هاجسي هو ألّا تعاني حالتي القلبية من ازدواجية تخنق تعاطفي اليومي أو تَحُول دون حفر الوقائع الراهنة على شمع الذاكرة الساخن. هاجسي اليوم والأمس هو أن أَستزيد من المعرفة وأن أُنتج بدوري معرفةً تخدم القضية الفلسطينية.

 
كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟
لنتّفق أنّ العدوان لم يبدأ في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وأنّ القضية الفلسطينية كانت دوماً في القلب من تكويني الفكري ومن انتمائي الوطني والديني والإنساني. هذا العدوان المستمرّ لعقود أثّر على أجيال كاملة لم تنسَ ولن تنسى. لكن الحرب الأخيرة على غزّة باتت تدهمُني بأحداثها كلّ يوم، حتى بتُّ أنظر للتمرة في يدي وقت الإفطار وأتمنّى لو أهديها لصائم في غزّة، أو أستحضر صورة يد الطفل الخارجة من تحت الأنقاض وقد نبتَت من التمرة التي يُمسك بها عوداً أخضر. الصور تنهال عبر الشاشات فتجعلني أُعيد تقييم المُسلّمات التي ألِفتُها وألتمسُ القصد في الإقبال على مباهج الحياة احتشاماً وحياءً ممّا تتعرّض له غزّة.

   
إلى أي درجة تشعرين أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟
يستطيع العمل الإبداعي التوثيقي أن يواكب الحدث، وأن يرفع الصوت فوق حاجز الصمت، مثلما حدث مؤخّراً في حفل توزيع جوائز "أوسكار"، ومثلما أبدع وائل الدحدوح وزملاؤه في نقل صورة العدوان متجمّلاً بأقصى درجات الصبر والتفاني. أمّا العمل الإبداعي التخييلي فيحتاج وقتاً لإنضاجه. وأمّا الترجمة كعمل خاص بالمثاقفة، فهي تُواكب الأحداث فتكشف الرياء والعنصرية في تعامل الغرب الاستعماري مع القضية الفلسطينية. أعتقد أن الترجمة باتت همّاً ملحّاً في هذه الكارثة الكبرى بما أظهرته من انحياز الآلة الإعلامية الغربية لصالح الاحتلال الصهيوني. لكن الترجمة قد أوصلت إلينا أيضاً الأصوات العادلة هناك.

غزّة في ارتقائها اليومي من تحت الأنقاض تنتصرعلى جلّاديها

   
لو قيّض لكِ البدء من جديد، هل ستختارين المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟
كلّ انشغالٍ بالكلمة يحمل في طيّاته دوراً إنسانياً ونضالياً وسياسياً، على حدّ تعبير جورج أورويل. تعدّدت مهامي لكنها تلتقي جميعاً حول فكرة التواصل مع الآخر، سواء عبر التعليم، أو الكتابة، أو الترجمة. لذلك لا أُريد اختيار مجال آخر بل أريد أن أحثّ الخُطى على الدرب الذي اخترته.

 
ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟
الحرب الأخيرة على غزّة غيّرت العالم بالفعل. فقد باتت كاشفةً للغرب أمام نفسه، مخترقةً لصفوفه التي ظنّها ملتحمة، وما إشعال آرون بوشنل النار في نفسه إلّا مثال واحد يجسّد ذلك الرفض بجلاء سافر. الحرب الإبادية اقترفت كلّ ما هو غير قانوني ولاأخلاقي، في سابقة ستغيّر وجه العدالة كونيّاً. لكنّها أيضاً خرَقت بالصوت والصورة السردية العنكبوتية التي كانت "إسرائيل" قد فرضتها لعقود. إذ إن مشهدية القتل قد فرضت على كلّ ذي ضمير حول العالَم أن يُعيد مساءلة كلّ المسلّمات الراسخة. لتُحقّق غزّة في ارتقائها اليومي من تحت الأنقاض نصرها المُنتظَر على جلّاديها. لكن التغيير الأهمّ منوط بتخلّي الولايات المتّحدة، والدول الغربية، عن دعمهم السافر لـ"إسرائيل".
   
     
شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودين لقاءها، وماذا ستقولين لها؟ 
تمنّيتُ دوماً لقاء الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله. لقد عرف هذا العالِم الجليل كيف يُطوّع دراسته الأكاديمية لينتج لنا أعمالاً موسوعية تُفكّك الخطاب الصهيوني وتُوجّه نظرةً نقدية فاحصة للحداثة الغربية. أعود إلى نتاجه الباذخ فتدهشني قدرته على الاستشراف ونفاذ بصيرته وإصرار الأيام على تأكيد رُؤاه العلمية الرصينة. لو التقيتُ به لقلتُ له إنه قد كفى ووفى في أداء رسالته لكنّنا نحن من قصّرنا.


كلمة تقولينها للناس في غزّة؟
أقول لهم ما قاله محمود درويش لأحمد العربي: "فاذهب إلى قلبي تجد شعبي.. شعوباً في انفجارك". قلوبنا تنفطر كلّ يوم على ما يقع عليكم من عدوان بَيِّن.


كلمة تقولينها للإنسان العربي في كلّ مكان؟
إشهار اللّامبالاة في وجه المأساة هو القسوة بعينها وضياع للمروءة.


حين سئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقولين لدارين ولأطفال فلسطين؟
أيا دارين الحبيبة، مهما كتبنا لكِ من رسائل، فلن يشفي حزنك سوى ما ستكتبينه أنتِ. اكتبي كلّ ما مررتِ به، قاومي الحزن بالتدوين، لأن الله عزّ وجل اختار لكِ الحياة لكي تكوني شاهدة على ما وقع لأسرتك. فلتكتبي أنتِ وكلّ من نجا من أطفال فلسطين قصة الأمس لأجيال الغد. ثمّة طفلة يهودية، اسمها آن فرانك، قتلها النازيّون وقتلوا كل أفراد عائلتها. لكنها نجحت في أن تُسرّب يومياتها أثناء محاولاتها للهرب. اليوم يقرأ العالَم قصتها بشتى اللغات. فليحفظك الله يا دارين، أنتِ وأكثر من 17 ألف طفل فلسطيني فقدوا أهلهم في هذه الحرب اللعينة. اكتبوا قصصكم لتفرضوا سرديّتكم وليُطالِع العالَم في مرآتكم الناصعة قبح وجوه القتَلة ويسمع منكم وقائع المحرقة الجديدة التي عشتم فصولها! 


بطاقة
كاتبة وأكاديمية مصرية مُقيمة في الرياض، مُتخصّصة في عِلم الأسلوب المقارن وعِلم دراسات الترجمة. عملت بتدريس اللغويات المقارنة والآداب الفرنسية في "جامعة عين شمس" بالقاهرة و"جامعة الملك سعود" بالرياض، كما تعمل ناقدة وكاتبة مقال رأي في "صحيفة الشروق" المصرية. ترجمت العديد من الأعمال الأدبيّة، فضلاً عن الكُتب المُتخصّصة في السياسة الدولية، وهي عضو في "الجمعيّة الفرنسية لعِلم دراسات الترجمة". لها في الترجمة: "علامَ يُطلق اسم فلسطين؟" لـ ألان غريش (2012)، و"في كواليس الشرق الأوسط: مذكّرات صحافي ودبلوماسي فرنسي (1952 - 2012)" لـ إريك رولو (2015)، ومجموعتَي "قطاف النار" (2019) و"حارس الفجر" (2022) لميشيل حوراني، وصدرت كلٌّ منهما بطبعة ثنائية اللغة عربية - فرنسية، و"أمينة رشيد أو العبور إلى الآخر" لـ سلمى مُبارك (2023).

مع غزة
التحديثات الحية
المساهمون