مع غزّة: حسان القالش

مع غزّة: حسان القالش

31 مارس 2024
حسان القالش
+ الخط -
اظهر الملخص
- الباحث السوري يعبر عن مخاوفه من إبادة جماعية وتطهير عرقي في غزة من قبل "إسرائيل"، مشيرًا إلى خطر انتصار الأيديولوجيات الليبرالية الممزوجة بالإسلاموفوبيا التي تقزم القضية الفلسطينية وتهدد التحرر العربي.
- يؤكد على أهمية العمل الإبداعي في مواجهة العدوان، معتبرًا الكتابة والبحث في التاريخ جزءًا من الالتزام الأخلاقي والسياسي، ويحث على تجنب إنتاج أعمال تخاطب الغرب فقط.
- يعرب عن أمله في حركة تجديد وإصلاح ديني واجتماعي بالعالم العربي، مؤكدًا على أهمية الهوية والانتماء، ويعبر عن تعاطفه مع معاناة الأطفال في فلسطين، مفضلاً الدعم بالأفعال على الكلام.

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "الكتابة والبحث في التاريخ، عملٌ لا يخلو من فعل والتزام أخلاقي وسياسي"، يقول الباحث السوري لـ"العربي الجديد".


■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- حرب "إسرائيل" على غزّة اليوم، مع كلّ شراستها ودمويّتها، ما زالت تمهيداً لإبادة جماعية وتطهيرٍ عرقي. ما أخشاه هو أن تكتمل هذه الإبادة، وأن تُنجز "إسرائيل" نكبةً ثانية. هناك هاجس آخر في هذا الخصوص لكن في سياقٍ مختلف: هناك مثقّفون عرب مدفوعون بقيم أيديولوجية وليبرالية ممزوجة مع الإسلاموفوبيا، يُنذِرون بالفاجعة فيما لو انتصرت "حركة حماس"، باذلين جهدهم الفكري لتقزيم أقدم قضية استعمارية إلى مجرد شهوة "حرب مليشياتيّة". ما أخشاه، رغم إقراري بأني لستُ من المُعجبين بنموذج حماس، هو أن ينتصر قادة النظام العربي الحالي، ولن يكون بذلك زوال القضية الفلسطينية فحسب، بل زوال قضية التحرُّر العربي، سياسياً وثقافياً.
 

■ كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟

حياتي اليومية التي تأثّرت بشكلٍ أكبر، فلقد هزَّ هذا العدوان وجداني أكثر ممّا فعلت حرب بشار الأسد على شعبه، فعلى الأقل حظِيت الثورة السورية بتعاطف ملموس من الصحافة الغربية. ومن يعيش منّا في أوروبا اليوم يعيش مرارة الظّلم مرّتين، فبينما هو ممتنٌّ للمكان الذي يعيش فيه ويؤمن بقيمه ويخشى عليه، يجد نفسه اليوم في مناخ معادٍ وشبه هستيري. أمّا عملي فلم يتأثّر كثيراً، فتاريخ فلسطين جزء من عملي، وعند وقوع العدوان كنتُ أشتغل على أرشيف الصحافة الفلسطينية مثلاً. ما تغيّر ربما هو مضاعفة الشعور بالمسؤولية والبحث عن أعمال تُواكب الحدث.
 

■ إلى أي درجة تشعر أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟

- العملُ الإبداعي هامٌّ وضروري، وهو تحدٍّ لا بدّ منه، ولا يفقد قيمته أو أولويّته رغم شراسة الإبادة، ولا أتّفق مع القائلين بأنّ العمل الإبداعي، خصوصاً في مجال الفنون، هو ضرب من التّرف لا نملكه في هذه الظروف. لكنّ الإبداع يتحقّق عبر الإصرار على أصالة العمل، بمعنى ألّا نُنتج أعمالاً تُخاطب الغرب مثلاً، فهذا يُمثّل عبئاً نفسياً على المُبدع قد يُؤثّر على جودة عمله، فالعمل الجيّد سيُحدث أثراً بالتأكيد ولو بعد حين. أمّا على مستوى الكتابة والكُتّاب، فالمسألة أشبه بمسألة حياة أو موت. يعتقد الكاتب منّا أنّه سيغيّر العالم، لا لسذاجة أو لغرور من الكاتب في بعض الأحيان، بل لإيمانه بعمله وإدراكه لقيمة ما يفعل، وعلى هذا الاعتقاد أن يبقى ولا يخبو.

زوال القضية الفلسطينية يعني زوال قضية التحرُّر العربي


■ لو قيّض لك البدء من جديد، هل ستختار المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟

- سأختار شغفي والعمل الذي أجيده وهو الكتابة والبحث في التاريخ، وهذا عمل لا يخلو من فعل والتزام أخلاقي وسياسي.
 

■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟

- لستُ من المتفائلين بصراحة على مستوى النظام العالمي، أمّا بالنسبة لعالمنا العربي فالأمل بأن نشهد حركة تجديد وإصلاح دينيّ واجتماعيّ كتلك التي شهدها المشرق العربي في أواسط القرن التاسع عشر.
 

■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودّ لقاءها، وماذا ستقول لها؟ 

- في الواقع هي ثلاث شخصيات: شكري العسلي، الكاتب والصحافي، ونائب دمشق في البرلمان العثماني سنة 1911، وأوّل من تصدّى للمشروع الصهيوني من غير الفلسطينيّين. وعيسى العيسى ونجيب نصّار، وهما شيخا الصحافة الفلسطينية، أواخر العهد العثماني، وخلال "الانتداب البريطاني". هي شخصيّات أتمنّى حقيقة لو ألتقيها وأسألها كثيراً من الأسئلة. وفي ما يتعلّق بالعدوان على غزّة، أتمنّى لو أعرف منهم أسوأ سيناريو كان يُمكن لهم أن يتخيّلوه بخصوص المشروع الصهيوني، علماً أن اثنين منهم لم يشهدا النكبة، فالعسلي أعدمه جمال باشا السفّاح في 1916، بينما رحل نصّار قبل النكبة بعام، أمّا العيسى فلحقه بعد النكبة بعام، وكان وقتها قد هاجر إلى لبنان.
 

■ كلمة تقولها للناس في غزّة؟

- أقول للناس في فلسطين عامّة: أنتم شعبي وقضيّتكم قضيّتي.
 

■ كلمة تقولها للإنسان العربي في كلّ مكان؟

ما زالت مسألة الهوية والانتماء محوراً أساسياً في حركة الفكر والسياسة، وفي عالمنا العربي، هناك استقطاب ما بين جماعة تتبرّأ من الهوية مُدّعيةً كونها نخبة، وجماعة أُخرى ذات وعي منقوص ومشوّه بالهويّة على مستوياتها المختلفة. ما أرجوه من الإنسان العربي هو ألّا ينبذ هويّته ولا ينظر إليها على أنّها معطىً بائد ورجعيّ، وأن يفهمها ويدرك مكانتها وغناها كثقافة، فلا يتعصّب لها تعصُّب التيارات اليمينيّة، ولا يتنازل عنها لدُعاة الفُرقة والانغلاق.
 

■ حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع، التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقول لدارين ولأطفال فلسطين؟

- بلينكن، وزير الخارجية الأميركي وأحد كبار داعمي "إسرائيل" وعدوانها على غزّة، سبق أن قال ما معناه أنّه أبٌ ويشعر معنى الألم، فهل أنسج على منواله وأبيعُ دارين وأطفال فلسطين من هذا الكلام، أو أجهَد في تنميق العبارات لهم؟ اعذرني، فلا أعتقد أنّي قادرٌ على الكلام في حضرة معاناتهم، أشعر وكأنّ الكلام فقدَ قيمته في هذه الأيام، فهو أسهل طُرق رفع العتب عن الذات. ما أرغب فيه حقيقة هو أن أضمّ دارين وكلّ من رأيت من الأطفال وأحضنهم بصمتٍ.



بطاقة

كاتب وباحث سوري من مواليد الكويت عام 1978. عمل في الصحافة ونشر العديد من مقالات الرأي. صدر له: "قطار العلويين السريع: النشأة والتطور 1822- 1949" عن "المؤسسة العربية للدارسات والنشر" (2017)، و"سياسة علماء دمشق: أسئلة الإصلاح والهوية والعروبة 1516 - 1916" عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" (2024).
 

وقفات
التحديثات الحية

المساهمون