مع غزّة: جميلة عمايرة

04 سبتمبر 2024
جميلة عمايرة
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تأثير العدوان على غزة على الكاتبة الأردنية**: الكاتبة الأردنية تعبر عن قلقها العميق تجاه العدوان على غزة، واصفة إياه بالإبادة الجماعية التي تستهدف الأرواح البريئة وتدمر البنية التحتية. تستمد الأمل من المقاومين مثل "أبوعبيدة".

- **دور العمل الإبداعي في مواجهة العدوان**: تؤمن الكاتبة بأهمية العمل الإبداعي في مواجهة العدوان، حيث يمكن للأقلام الحرة نقل السردية الفلسطينية. شاركت في كتاب "كُتّاب غزة" واستخدمت منصات التواصل الاجتماعي لنشر الوعي.

- **رسائل الأمل والتضامن**: توجه الكاتبة رسائل تضامن إلى أهل غزة، مشيدة بصمودهم ومقاومتهم. تدعو إلى دعمهم معنوياً ومادياً، مشيرة إلى رموز الأمل مثل الطفلة الجريحة دارين.

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "غزّة هي التي حرّرتنا من الخوف وهي التي ستحرّر العالم كلّه"، تقول الكاتبة الأردنية لـ"العربي الجديد".


ما الهاجس الذي يشغلكِ هذه الأيام في ظلّ ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

لا شيء يشغلني سوى غزّة التي تُذبح من الوريد إلى الوريد بدمٍّ بارد، والضمير الإنساني في سباتٍ عميق. فقد سحقت الأرواح النقية البريئة، وتفرّقت الأسر، وهجّرت العائلات، وسويت المنازل بالأرض بعدما قصفت على رؤوس قاطنيها، وتوزّعت أشلاء. حتى المدارس والمساجد والكنائس لم تسلم من آلة القتل الصهيونية العنصرية الهمجية. الخيام قصفت في ليل معتم والنازحون نيام، لتحترق جثثهم وهم لا يملكون شيئاً سوى الإيمان بالقضية العادلة، والتشبّث بالأرض واليقين بالمقاومة وبالنصر... "وما النصر سوى صبر ساعة".


كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟ 

لأنَّ هذا العدوان الهمجي الوحشي هو عدوانٌ على كلّ إنسان حرٌ وشريف لديه قضية عادلة تتمثل بمقاومة محتلّ وحشي شرس، طال الشجر والحجر قبل الإنسان، لا أفعل شيئا سوى متابعة الأوضاع والأخبار القادمة من غزّة العزة والكبرياء. عدتٌ لقراءة تاريخ غزّة؛ هذه المدينة الساحلية العظيمة بسجلّها المقاوم وكفاحها من أجل الحرية. أترقّب ظهور المقاوم "أبوعبيدة" ليمنحني المزيد من الاطمئنان على المقاومة وحتمية النصر، وهي تقاتل آلة احتلال بغيض وحشي لا يعرف سوى الإبادة والقتل والتدمير.


إلى أي درجة تشعرين أن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟ 

لطالما كان الشاعر المتحدّث الرسمي باسم قومه وقبيلته أو عشيرته، بمعنى من جملة المعاني التي يمثلها هذا الشاعر/ المثقف نقل الأخبار وتوضيحها وشرح وجهة النظر التي يعتد بصوابها. واليوم ثمّة أقلام حرّة مؤمنة بعدالة القضية الفلسطينية، وبفعل مقاومة المحتل، نقلت وأوضحت السردية الفلسطينية لدحض سردية المحتل وإقامة الحجة أمام ما يزعمون. من هنا قمت بالمشاركة في كتاب "كُتّاب غزة" مع كتّاب من مختلف أقطار العالم، لتوضيح وتثبيت وجهة نظرنا وأحقيّة الإنسان الفلسطيني بالعيش في أرضة بحرية وعدالة. وخاصة أن العالم صار قرية صغيرة في زمن الاتصالات بوجود منصات التواصل المختلفة. في البدء كانت الكلمة وبالنهاية ستكون. وكما قال رب العالمين "يا يحيى خذ الكتاب بقوة". 

غزّة هي التي حرّرتنا من الخوف وهي التي ستحرّر العالم


لو قيّض لكِ البدء من جديد، هل ستختارين المجال الإبداعي أو مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟ 

الكتابة فعلٌ إنساني نبيل وشاق، يحتاجها الجندي في خندقه والعامل في مصنعه والأم في بيتها والمزارع في أرضه. أما الكلمة فهي مفتتح لكل سبيل وغاية إذا صدرت عن كاتب حرّ ينحاز لقيم الحرية والحق والعدالة، وليس من كتبة السلطان ومن ولاتهم! أظنني لا أجيد سوى فعل الكتابة ولا أظن بوجود طريق آخر لي سواها. ولأنني لا أريد أن أكون مثل" شهود يهوه"، قمتُ بالكتابة وفي أكثر من منصّة عن غزّة وهي تقاوم محتلاً لا يجيد ولا يريد سوى ذبح غزّة وتفريغها من أهلها. أيضاً كان لي شرف التعاون مع بعض من الضمائر الإنسانية الحيّة لجمع ما استطعنا إليه سبيلاً وقمنا بإيصاله لأهلنا بشمال غزّة، وهم يقاومون الجوع والعطش وفعل الإبادة دون الركوع أمام المُحتَل.


ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟

لا أريد سوى أن يعمّ السلام بالعالم كلّه. لا أريد سوى أن لا يكيل العالم بمكيالين، وأن تختفي ازدواجية المعايير. ثمّة قضايا عادلة بالعالم كالقضية الفلسطينية ينبغي الوقوف معها لعدالتها، ونصرتها، ونصرة سعي الإنسان الفلسطيني منذ أكثر من سبعة عقود وهو يقاوم المحتل في حقه كإنسان أن يكون له بيت وحديقة وحلم وأمنية وطموح، وأن يكون له مشفى إذا مرض، وملعب لطفله، في وطنه وفوق أرضه كبقية شعوب العالم.

لا أجيد سوى فعل الكتابة ولا طريق آخر لي سواها

 
شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودين لقاءها، وماذا ستقولين لها؟ 

نظرة خاطفة على تاريخ العرب الأدبي، نجد أن الشاعر كان يمثّل المثقّف أو منتج الوعي في ذلك الوقت، فكان هو الذي يتحدّث باسم القبيلة ويحكي حالها. سأذهب بعيداً هناك فنجد، مثلاً، عمر بن كلثوم وهو يصف مدى تغلغل الأنا الجمعية في وعيه الشعري كقوله: "إذا بلغ الفطام لنا صبي/ تخر له الجبابر ساجدينا".

ولعل الذي يحضرني الآن الشاعر عروة بن الورد، الذي خلع نفسه من قومه وتمرّد على السلطة ممثّلة بزهير بن جذيمة، الذي نصّب نفسه ملكاً على عبس، وشواهد ذلك في شعره كثيرة تدل على ثورته وتمرّده وشجاعته ونبله كقولهِ:
فلا أترك الإخوان ما عشت للردى
كما أنه لا يتركُ الماءَ شاربُه
ولا يُستضامُ، الدهرَ، جاري، ولا أُرى
كمن باتَ تسري للصّديق عقاربُه
وإنْ جارتي ألوَتْ رياحٌ ببيتها
تغافلت حتى يستر البيت جانبه

كان عروة شاعراً جوّاداً، كريم الخلق ونبيلاً، فهو يُؤثر غيره على نفسه ويموت لأجل غيره، كما أنّه يرفض أن يرى جاره يذوق الضيم، وهو يغض الطرف، أو مشغولاً بمتع الحياة ولهوها. سأقول له كم أحتاج وجودك معنا الآن. ولا أظنّك ستخيّب ظني بك.


كلمة تقولينها للناس في غزّة؟ 

ما الذي سوف أقوله أمام هذا الصمود الأسطوري، ما الذي سوف أقوله والعالم كلّه يحارب غزّة؟ يحضرني قول محمود درويش "إن سألوك عن غزّة، قل لهم: بها شهيدٌ يُسعفه شهيد/ ويصوّره شهيد/ ويودّعه شهيد/ ويصلي عليه شهيد". وماذا أقول لصديقي الشاعر والروائي ناصر رباح، وهو يكتب قصيدته بالوقت الذي يعدّ الرغيف لأهله، وقد قصف بيته بالمغازي ورفض أن يغادره؟ وماذا أقول لأستاذي المناضل رزق المزغنن الذي نزح من وسط غزّة إلى أطرافها ثم إلى رفح؟ غزّة العزة، غزّة الأصدقاء في مخيم الشاطئ وجحر الديك، وخانيونس، والشجاعية، حيث ما زال علي يقاوم تسانده علياء، وهند وأمجد، وهيفاء، وهم يقاومون وما هانوا وما بدّلوا تبديلاً.  


كلمة تقولينها للإنسان العربي في كلّ مكان؟ 

ألم يحن الوقت بعد كي يستيقظ ضميرك، لنجدة إخوة الدم والدين واللغة والمصير والغاية؟ انحيازاً للإنسانية قبل كل شيء، ودفاعاً عن الحق والحرية والعدالة، فالحق بيّن والباطل بيّن، ولا يمكث بالأرض سوى ما ينفع الناس. ما يحدث في غزّة هو مذبحة جماعية. انهض من سباتك وانصر الحق، ولا تكن في مقاعد المتفرّجين والمتقاعسين. التحق بصفّ المدافعين عن شرف الأمة ووجودها بين الأمم الحرّة. 

غزّة هي التي حرّرتنا من الخوف، وهي التي ستحرّر العالم كلّه. غزّة هي التي هزّت ضمير العالم الميّت، وهي تنزف دمها لا تجيد فنّ الخطابة بل تقدم روحها التي تشتعل حرائق كي توقظ ضميرك وحسّك الأخلاقي ووعيك الإنساني. ولا أتحدّث هنا عن السلطة وأصحاب الكراسي، أتحدّث عن الفرد الحر الذي امتلك الوعي وعرف الحقيقة – الأفراد –  حين خرجوا للتعبير عن شجبهم وإدانتهم لفعل القتل والإبادة في العالم كله. 


حين سئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقولين لدارين ولأطفال فلسطين؟ 

لله دركم يا أطفال غزّة، لله دركن يا نساء غزّة العظيمات المجاهدات الصابرات المحتسبات كل شيء لله وللوطن. ما هذا الإيمان واليقين والصبر؟ الثقة والكبرياء والشموخ الذي نشاهده ونلمسه لديكن وعلى وجوه الأطفال الذين كبروا فجأة وصاروا رجالاً مرة واحدة؟ هللويا هللويا هللويا. أحبّك دارين. أحبّك. 


بطاقة

كاتبة وقاصة وصحافية أردنية من مواليد مدينة السلط عام 1963. حاصلة على إجازة في الأدب الإنكليزي من "جامعة فيلاديلفيا". لها في القصة: "صرخة البياض" (1994)، و"سيدة الخريف" (1999)، و"الدرجات" (2004)، و"امرأة اللوحة" (2012)، و"حرب لم تقع" (2016)، إضافة إلى مختارات قصصية بعنوان "دم بارد" (2005). صدرت لها رواية "بالأبيض والأسود" (2017)، ولها رواية قيد النشر بعنوان "على حافة العتمة ويشبه الرقص".

مع غزة
التحديثات الحية
المساهمون